يقول تعالى مخبرًا عنهم لما استيأسوا من أخذه منه: خلصوا يتناجون فيما بينهم، قال كبيرهم: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} لتأتنني به إلَّا أن يحاط بكم؟ لقد أخلفتم عهده، وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله، فلم يبق لي وجه أقابله {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} أي لا أزال مقيما هاهنا {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} في القدوم عليه، {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بأن يقدرني على رد أخي إلى أبي {وَهُوَ خَيرُ الْحَاكِمِينَ}. {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} أي أخبروه بما رأيتم من الأمر في ظاهر مشاهد {وَمَا شَهِدْنَا إلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيبِ حَافِظِينَ (٨١) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي فإن هذا الذي أخبرناك به - من أخذهم أخانا لأنه سرق - أمر اشتهر بمصر وعلمه من مع العير التي كنا نحن وهم هناك {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}. {قَال بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي ليس الأمر كما ذكرتم، لم يسرق، فإنه ليس سجية له ولا خلقة. وإنما {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}. ثم قال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} أي بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة {الْحَكِيمُ} فيما يقدره ويفعله، وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة. {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرضى عن بنيه: {وَقَال يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} ذكّره حزنه الجديد بالحزن القديم، وحرك ما كان كامنًا. وقوله: {وَابْيَضَّتْ عَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} أي من كثرة البكاء، {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف. فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق {قَالُوا} له على وجه الرحمة والرأفة والحرص عليه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}. يقولون: لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك وتضعف قوتك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك. {قَال إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يقول لبنيه: لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه، إنما أشكوه إلى الله عزَّ وجلَّ، وأعلم أن الله سيجعل =