للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= لي مما أنا فيه فرجًا ومخرجا، وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما أرى. ولهذا قال: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
ثم قال لهم محرضًا على تطلب يوسف وأخيه، وأن يبحئوا عن أمرهما: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} أي لا تيأسوا من الفرج بعد الشدة، فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه، وما يقدره من المخرج في المضايق، إلَّا القوم الكافرون.
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيلَ وَتَصَدَّقْ عَلَينَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قَال هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (٨٩) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَال أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَينَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١) قَال لَا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: ٨٨ - ٩٣].
يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه، ورغبتهم فيما لديه من الميرة، والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال، {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلَّا أن تتجاوز عنا {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيلَ وَتَصَدَّقْ عَلَينَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}.
فلما رأى ما هم فيه من الحال، وما جاؤوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال، تعرف إليهم وعطف عليهم، قائلًا لهم عن أمر ربه وربهم، وقد حسر عن جبينه الشريف، وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه: {قَال هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}.
{قَالُوا} وتعجبوا كل العجب، وقد ترددوا إليه مرارًا عديدة، وهم لا يعرفون أنه هو {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} [يوسف: ٩٠].
{قَال أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} يعني أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم فيه ما فرطتم. وقوله: {وَهَذَا أَخِي} تأكيد لما قال، وتنبيه على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد، وعملوا في أمرهما من الاحتيال. ولهذا قال: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَينَا} أي بإحسانه إلينا وصدقته علينا، وإيوائه لنا وشده معاقد عزنا، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا، وصبرنا على ما كان منكم، وطاعتنا وبرنا لأبينا، ومحبته الشديدة لنا، وشفقته علينا {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينَا} أي فضلك وأعطاك ما لم يعطنا {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} أي فيما أسدينا إليك، وها نحن بين يديك. {قَال لَا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ} أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا. ثم زادهم على ذلك فقال: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ومن زعم أن الوقف على قوله {لَا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ} وابتدأ بقوله: =

<<  <  ج: ص:  >  >>