ما خلا المسجد الحرام، فكانوا لا يشبّهون به المساجد تعظيمًا لحرمته، وكانت ظُلّته مئتي ذراع على أساطين رخام كانت للأكاسرة، سماؤها كأسمية الكنائس الرّومية، وأعلموا على الصحن بخندق لئلا يقتحمه أحد ببنيان، وبنَوا لسعد دارًا بحياله بينهما طريق منقَبُ مئتي ذراع، وجعل فيها بيوت الأموال، وهي قصر الكوفة اليوم، بنى ذلك له روزبه لمن آجرّ بنيان الأكاسرة بالحيرة، ونهَج في الودَعة من الصحن خمسة مناهج، وفي قِبْلته أربعة مناهج، وفي شرقيّه ثلاثة مناهج، وفي غربيّه ثلاثة مناهج، وعلَّمها، فأنزل في وَدَعة الصحن سليمًا وثَقِيفًا مما يلي الصحن على طريقين، وهَمْدان على طريق، وبَجِيلة على طريق آخر، وتيْم اللّات على آخرهمْ وتغلِب، وأنزل في قبلة الصحن بني أسد على طريق، وبين بني أسَد والنَّخَع طريق، وبين النَّخَع وكِندة طريق، وبين كِنْدة والأزْد طريق، وأنزل في شرقيّ الصحن الأنصار، ومُزَينة على طريق، وتميمًا ومحاربًا على طريق، وأسدًا وعامرًا على طريق، وأنزل في غربيّ الصحن بجالة وبَجْلة على طريق، وجَدِيلةَ وأخلاطًا على طريق، وجُهينة وأخلاطًا على طريق، فكان هؤلاء الذين يلون الصحن وسائر الناس بين ذلك ومن وراء ذلك. واقتُسِمت على السّهْمان؛ فهذه مناهجها العظمى. وبنوا مناهج دونها تحاذِي هذه ثم تلاقيها، وأخَر تُتبعها، وهي دونها في الذّرْع، والمحالّ من ورائها؛ وفيما بينها، وجعل هذه الطرقات من وراء الصحن، ونزل فيها الأعشار من أهل الأيَّام والقوادس، وحمى لأهل الثغور والموصل أماكنَ حتى يُوافوا إليها؛ فلما ردفتهم الروادف: البدء، والثّناء، وكثروا عليهم، ضيّق الناس المحالّ فمَن كانت رادِفَتُه كثيرة شخص إليهم وترك محلّته، ومَن كانت رادِفته قليلة أنزلوهم منازلَ مَن شخص إلى رادفته لقلّته إذا كانوا جيرانهِم؛ وإلّا وسعوا على روادفهم وضيقوا على أنفسهم؛ فكان الصحن على حاله زمان عمر كله، لا تطمع فيه القبائل؛ ليس فيه إلا المسجد والقصر، والأسواق في غير بنيان ولا أعلام. وقال عمر: الأسواق على سنَّة المساجد، مَن سبق إلى مقْعد فهو له؛ حتى يقوم منه إلى بيته أو يفرغ من بيعه، وقد كانوا أعدُّوا مُناخًا لكلّ رادف؛ فكان كلّ مَن يجيء سواء فيه -وذلك المناخ اليومَ دور بني البكّاء- حتى يأتوا بالهيّاج، فيقوم في أمرهم حتى يقطع لهم حيث أحبُّوا. وقد بنى سعد في الذين خطُّوا للقصر قصرًا بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم، فشيّده، وجعل فيه بيت المال، وسكن ناحيتَه. ثم إنّ بيتَ