أمّ جميل ابنة الأفقم. وكانمت أمّ جميل إحدى بني عامر بن صعصعة، وكانت غاشيةً للمغيرة، وتغشى الأمراء والأشراف -وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها- فقالوا: إنما رأينا أعجازًا، ولا ندري ما الوجه؟ ثم إنهم صمّموا حين قامت، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حالى أبو بَكْرة بينه وبين الصلاة، وقال: لا تصلّ بنا. فكتبوا إلى عمر بذلك، وتكاتبوا، فبعث عمر إلى أبي موسى، فقال: يا أبا موسى! إني مستعملك؛ إني أبعثك إلى أرض قد باضَ بها الشيطان وفرّخ، فالزم ما تعرف، ولا تستبدلْ فيستبدل الله بك. فقال: يا أميرَ المؤمنين! أعنّي بعدّة من أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار، فإنِّي وجدتهم في هذه الأمة وهذه الأعمال كالملح لا يصلح الطعام إلّا به فاستعِن بمن أحببتَ فاستعان بتسعة وعشرين رجلًا؛ منهم: أنس بن مالك، وعمران بن حُصَين، وهشام بن عامر. ثمّ خرج أبو موسى فيهم حتى أناخ بالمِرْبد، وبلغ المغيرة: أنّ أبا موسى قد أناخ بالمِرْبد، فقال: والله ما جاء أبو موسى زائرًا، ولا تاجرًا ولكنّه جاء أميرًا. فإنهم لفي ذلك؛ إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم، فدفع إليه أبو موسى كتابًا من عمر، وإنه لأوجزُ كتاب كتَب به أحد من الناس؛ أربع كلِم عزل فيها، وعات، واستحثّ، وأمّر: أما بعد، فإنه بلغني نبأ عظيم، فبعثتُ أبا موسى أميرًا، فسلّم إليه ما في يدك، والعجَل. وكتبَ إلى أهل البصرة: أمّا بعدُ، فإني قد بعثت أبا موسى أميرًا عليكم، ليأخذ لضعيفكم من قويّكم، وليقاتل بكم عدوّكم، وليدفع عن ذمّتكم، وليُحصيَ لكم فيئكم ثم ليقسمه بينكم، ولينقّي لكم طرقكم.
وأهدى له المغيرة وليدةً من مولّدات الطائف تدعَى عَقيلة، وقال: إني قد رضيتُها لك -وكانت فارهة- وارتحل المغيرة، وأبو بكْرة، ونافع بن كلَدة، وزياد، وشِبْل بن معبد البَجَليّ، حتى قدموا على عمر، فجمع بينهم وبين المغيرة، فقال المغيرة: سلْ هؤلاء الأعبُد كيَف رأوْني؛ مستقبلَهم أو مستدبرَهم؟ وكيف رأوُا المرأة أو عرفوها؟ فإن كانوا مستقبليّ فكيف لم أستتر، أو مستدبريّ فبأيّ شيء استلُّحوا النظر إليّ في منزلي على امرأتي! والله ما أتيت إلّا امرأتي -وكانت شبهَها- فبدأ بأبي بكْرة، فشهد عليه: أنه رآه بين رجليْ أمّ جميل؛ وهو يدخله ويخرجه كالمِيل في المكحلة، قال: كيف رأيتَهما؟ قال: مستدبِرَهما، قال: فكيف استثبتّ رأسها؟ قال: تحاملت. ثم دعا بِشبْل بن معبد، فشهد بمثل