النُّسَيْر، وقد كتب عمر إلى سُلْمى بن القيْن، وحَرْملة بن مُريطة، وزرّ بن كليب، والمقترِب الأسود بن ربيعة، وقوّاد فارس الذين كانوا بين فارس والأهواز: أن اشغلوا فارس عن إخوانكم، وحوطوا بذلك أمّتكم وأرضَكم، وأقيموا على حدود ما بين فارس والأهواز، حتى يأتيَكم أمري. وبعث مجاشع بن مسعود السُّلَميّ إلى الأهواز، وقال له: انصُلْ منها على ماه؛ فخرج حتى إذا كان بغُضَى شجَر، أمره النعمان أن يقيم مكانه، فأقام بين غُضَى شجر، ومَرْج القلعة، ونَصَل سُلْمى، وحَرْملة، وزرّ، والمقترب، فكانوا في تخُوم أصبَهان وفارس، فقطعوا بذلك عن أهل نِهاوند أمداد فارس.
ولما قدم أهلُ الكوفة على النعمان بالطَّزَر جاءه كتاب عمر مع قَريب: إنّ معك حدَّ العرب ورجالهم في الجاهليّة، فأدخِلْهم دون مَن هو دونهم في العلم بالحرب، واستعنْ بهم، واشرب برأيهم، وسلْ طليحة، وعمْرًا، وعمْرًا، ولا تُولِّهم شيئًا. فبعث من الطَّزَر طليحة وعمْرًا وعمْرًا طليعة ليأتوه بالخبر، وتقدّم إليهم ألا يَغِلُوا. فخرج طُليحة بن خويلد وعَمْرو بن أبي سُلْمَى العَنَزيّ، وعمرو بن معد يكرب الزُّبيديّ، فلما ساروا يومًا إلى الليل رجع عمرو بن أبي سُلمَى، فقالوا: ما رَجعك؟ قال: كنت في أرض العجم؛ وقتلتْ أرضٌ جاهلها، وقتل أرضًا عالمُها. ومضى طليحة وعمرو حتى إذا كان من آخر الليل رجع عمرو، فقالوا: ما رجعك؟ قال: سرْنا يومًا وليلة، ولم نَر شيئًا، وخفت أن يؤخذ علينا الطريق. ونفذ طليحة ولم يحفِل بهما. فقال الناس: ارتد الثانية، ومضى طُليحة حتى انتهى إلى نهاوند، وبين الطّزَر ونهاوند بضعة وعشرون فرسخًا. فعلم علمَ القوم، واطلع على الأخبار، ثم رجع حتى إذا انتهى إلى الجمهور كبّر الناس، فقال: ما شأنُ الناس؟ فأخبروه بالذي خافوا عليه، فقال: والله لو لم يكن دينٌ إلا العربية ما كنت لأُجزِر العُجْم الطماطم هذه العرب العاربة. فأتى النعمان فدخل عليه، فأخبروه الخبر، وأعلمه: أنه ليس بينه وبين نهاوند شيء يكرهه، ولا أحد. فنادى عند ذلك النعمان بالرّحيل، فأمرهم بالتّعبية. وبعث إلى مجاشع بن مسعود أنْ يسوقَ الناس، وسار النعمان على تعبيته، وعلى مقدّمته نُعيم بن مقرّن، وعلى مجنَّبتيه حُذيفة بن اليَمان، وسويد بن مقرّن، وعلى المجرَّدة القعقاع بن عمرو، وعلى الساقة مجاشعِ؛ وقد توافى إليه أمدادُ المدينة، فيهم المغيرة، وعبد الله، فانتهوْا إلى الإسبيذهان،