نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة؛ ولكنّا كنا نقاتل بالنصر.
فقال عمر: أجل والله! لئن شخصتُ من البلدة لتنتقضَنّ عليّ الأرض من أطرافها وأكنافها، ولئن نظرتْ إليّ الأعاجم لا يفارقُنّ العرْصة، وليُمدّنهم مَن لم يُمِدّهم، وليقولُنّ: هذا أصل العرب؛ فإذا اقتطعتموه اقتطعتم أصل العرب، فأشيروا عليّ برجل أولِّه ذلك الثغر غدًا. قالوا: أنتَ أفضلُ رأيًا، وأحسن مقدرة، قال: أشيروا عليّ به، واجعلوه عِراقيًا. قالوا: يا أميرَ المؤمنين! أنت أعلمُ بأهل العراق، وجندك قد وفدُوا عليك ورأيتَهم وكلّمتهم، فقال: أما والله لأولّينّ أمرَهم رجلًا ليكونَنّ لأوّل الأسنّة إذا لقيَها غدًا، فقيل: مَن يا أمير المؤمنين؟ ! فقال: النعمان بن مقرِّن المُزنّي. فقالوا: هو لها -والنعمان يومئذ بالبصرة معه قوّاد من قوّاد أهل الكوفة أمدّهم بهم عمر عند انتقاض الهُرْمُزان؛ فافتتحوا رامَهُرْمُز وإيذَج، وأعانوهم على تُسْتَر وجُنْدَيْ سابور والسُّوس. فكتب إليه عمر مع زِرّ بن كُليب والمقتَرب الأسود بن رَبيعة بالخبر؛ وأنّي قد وَلّيتك حربَهم، فسرْ من وجهِك ذلك حتى تأتيَ ماه، فإني قد كتبتُ إلى أهل الكوفة أن يوافوك بها، فإذا اجتمعَ لك جنودُك فسرْ إلى الفَيْرُزان ومَن تجمّع إليه من الأعاجم من أهل فارس وغيرهم، واستنصروا الله، وأكثروا من قول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله.
رجع الحديث إلى حديث سيف. وكتب -يعني عمر- إلى عبد الله بن عبد الله مع رِبْعيّ بن عامر: أن استنفر من أهل الكُوفة مع النُّعمان كذا وكذا، فإني قد كتبتُ إليه بالتوجُّه من الأهواز إلى ماه، فلْيوافُوه بها، وليسر بهم إلى نهاوند؛ وقد أمّرت عليهم حُذيفة بن اليَمان، حتى ينتهي إلى النعمان بن مقرّن؛ وقد كتبت إلى النعمان: إن حَدَث بك حَدَث؛ فعلَى الناس حُذَيفة بن اليَمان؛ فإن حَدَث بحُذيفة حَدث؛ فعلَى الناس نُعيم بن مقرّن، ورُدّ قَريب بن ظَفَر وردّ معه السائب بن الأقرع أمينًا. وقال: إن فتح الله عليكم؛ فاقسم ما أفاء الله عليهم بينهم، ولا تخدعني ولا ترفع إليّ باطلًا، وإن نُكِب القوم؛ فلا تراني ولا أراك. فقدما إلى الكوفة بكتاب عمر بالاستحثاث؛ وكان أسرع أهل الكوفة إلى ذلك الرّوادف، ليبلُوا في الدّين، وليدرِكُوا حظًّا، وخرج حُذَيفة بن اليَمان بالناس ومعه نُعيم؛ حتى قدموا على النعمان بالطَّزر، وجعلوا بمرْج القلعة خيلًا عليها