٥٥٥ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن أبي بكر الهذليّ، قال: لما أخبرهم عُمر الخبر واستشارهم، وقال: أوجِزوا في القول، ولا تُطيلوا فتفْشغَ بكم الأمور، واعلموا أنّ هذا يومٌ له ما بعده من الأيّام؛ تكلّموا! فقام طلحة بن عبيد الله -وكان من خُطباء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتشهّد، ثمّ قال: أما بعد يا أميرَ المؤمنين! فقد أحكمتْك الأمور، وعجمتْك البلايا، واحتنكتْك التجارب، وأنت وشأنك، وأنت ورأيك، لا نَنْبو في يديْك، ولا نَكِلّ عليك، إليك هذا الأمر، فمرنا نُطِع، وادْعُنا نجب، واحملْنا نركب، ووفِّدْنا نفِد، وقُدْنا نَنقد؛ فإنّك وليّ هذا الأمر، وقد بلوتَ وجرّبت واختبرتَ، فلم ينكشف شيء من عواقب قضاء الله لك إلّا عن خيار. ثم جلس. فعاد عُمر فقال: إنّ هذا يومٌ له ما بعده من الأيام، فتكلّموا! فقام عثمان بن عفّان، فتشهّد، وقال: أرى يا أميرَ المؤمنين أن تكتبَ إلى أهل الشأم فيسيروا من شأمهم، وتكتبَ إلى أهل اليمن فيسيروا من يَمنَهم، ثم تسير أنت بأهل هذين الحَرميْن إلى المصرْين: الكوفة والبصرة، فتلقَى جمع المشركين بجمع المسلمين؛ فإنك إذا سرتَ بمَن معك وعندك؛ قلَّ في نفسك ما قد تكاثَر من عدد القوم، وكنتَ أعزّ عزًّا وأكثر؛ يا أمير المؤمنين! إنك لا تستبقي من نفسك بعد العرب باقية، ولا تَمْتَع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذُ منها بحريز؛ إن هذا اليوم له ما بعده من الأيام، فاشهده برأيك وأعوانك ولا تغب عنه. ثم جلس.
فعاد عمر، فقال: إنّ هذا يومٌ له ما بعده من الأيام، فتكلموا! فقام علي بن أبي طالب فقال: أمّا بعد يا أمير المؤمنين! فإنك إن أشخصتَ أهل الشأم من شأمهم؛ سارت الرّوم إلى ذراريّهم، وإن أشخصتَ أهل اليمن من يمنهم؛ سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإنك إن شخصت من هذه الأرض؛ انقضتْ عليك الأرضُ من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تَدع وراءك أهمَّ إليك مما بين يديك من العَوْرات والعِيالات؛ أقرر هؤلاء في أمصارهم، واكتب إلى أهل البصرة فليتفرّقوا فيها ثلاث فِرَق، فلتقم فرقة لهم في حُرَمهم وذراريّهم، ولتقم فرقة في أهل عهدهم، لئلّا ينتقضوا عليهم، ولتسِرْ فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددًا لهم؛ إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غدًا قالوا: هذا أمير العرب، وأصل العرب؛ فكان ذلك أشدّ لكلَبهم، وألّبْتَهم على نفسك. وأمّا ما ذكرت من مسير القوم فإنّ الله هو أكرَه لمسيرهم منك، وهو أقدرُ على تغيير ما يكره؛ وأمّا ما ذكرتَ من عددهم؛ فإنا لم