على ما دونه، وقد عرفتم بأيّ شيء دخلتم على خراسان، فداوموا على الذي دخلتم به خراسان؛ يدمْ لكم النصر؛ وإيّاكم أن تعبروا فتفضّوا.
ولمّا بلغ رسولا يَزْدَجِرد خاقانَ وغوزك، لم يستتبّ لهما إنجادُه حتى عبرَ إليهما النهر مهزومًا، وقد استتَبّ فأنجده خاقان - والملوك ترى على أنفسها إنجادَ الملوك - فأقبل في الترك، وحشر أهل فَرْغانة والصُّغْد؛ ثم خرج بهم، وخرج يَزْدَجرِد راجعًا إلى خُراسان، حتى عبر إلى بَلْخ، وعبر معه خاقان، فأرز أهلُ الكوفة إلى مَرْو الرّوذ إلى الأحنف، وخرج المشركون من بَلْخ حتى نزلوا على الأحنف بمَرْو الرّوذ. وكان الأحنف حين بلغه عُبور خاقان والصُّغْد نهرَ بَلْخ غازيًا له، خرج في عسكره ليلًا يتسمّع: هل يسمع برأي ينتفع به؟ فمرّ برجلين ينقّيان علفًا، إما تِبنًا، وإما شعيرًا، وأحدهما يقول لصاحبه: لو أن الأمير أسندَنا إلى هذا الجبل، فكان النهر بيننا وبين عدونا خندقًا؛ وكان الجبل في ظهورنا من أن نُؤتى من خلفنا، وكان قتالنا من وجه واحد رجوت أن ينصرنا الله. فرجع واجتزأ بها، وكان في ليلة مظلمة، فلما أصبح جمع الناس، ثم قال: إنّكم قليل، وإنّ عدوكم كثير، فلا يهولنّكم؛ فـ {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}؛ ارتحلوا من مكانكم هذا، فاسندوا إلى هذا الجبل، فاجعلوه في ظهوركم، واجعلوا النهر بينكم وبين عدوّكم، وقاتلوهم من وجه واحد. ففعلوا، وقد أعدّوا ما يصلحهم، وهو في عشرة آلاف من أهل البصرة وأهل الكوفة نحو منهم. وأقبلت الترك ومَنْ أجلبت حتى نزلوا بهم، فكانوا يغادونهم ويراوحونهم ويتنحَّوْن عنهم بالليل ما شاء الله. وطلب الأحنف عِلْم مكانهم بالليل، فخرج ليلة بعد ما علم علمَهم طليعة لأصحابه حتى كان قريبًا من عسكر خاقان فوقف، فلمّا كان في وجه الصّبح خرج فارس من الترك بطوْقه، وضرب بطبله، ثم وقف من العسكر موقفًا يقفه مثله، فحمل عليه الأحنف، فاختلفا طعنتيْن، فطعنه الأحنف فقتله، وهو يرتجز ويقول: