للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستولوْا عليها، ونكبوه، وكتبوا إلى الأحنف بالخبر، فاعترضَهم المسلمون والمشركون بمَرْو يثفنونه، فقاتلوه وأصابوه في أُخَر القوم، وأعجلوه عن الأثقال؛ ومضى مُوائلًا حتى قطع النهر إلى فرْغانة والترك؛ فلم يزل مقيمًا زمان عمر - رضي الله عنه - كله يكاتبهم ويكاتبونه، أو من شاء الله منهم. فكفر أهلُ خراسان زمانَ عثمان. وأقبل أهلُ فارس على الأحنف فصالحوه، وعاقدوه، ودفعوا إليه تلك الخزائن والأموال، وتراجعوا إلى بلدانهم وأموالهم على أفضل ما كانوا في زمان الأكاسرة؛ فكانوا كأنما هم في مُلكهم؛ إلّا أن المسلمين أوفَى لهم، وأعدل عليهم، ما اعتَبطوا وغُبِّطوا؛ وأصاب الفارسَ يوم يَزْدَجِرد كسهم الفارس يوم القادسيّة.

ولما خلع أهل خراسان زمانَ عثمان؛ أقبل يَزْدَجِرد حتى نزل بمَرْو، فلمّا اختلف هو ومن معه وأهل خراسان؛ أوَى إلى طاحونة، فأتوْا عليه يأكلُ من كرد حول الرّحا، فقتلوه، ثم رموْا به في النهر.

ولما أصيب يَزْدَجِرد بمروَ - وهو يومئذ مختبئ في طاحونة يريد أن يطلب اللحاق بكَرْمان - فاحتوى فيئه المسلمون والمشركون، وبلغ ذلك الأحنف، فسار من فَوْره ذلك في الناس إلى بلْخ يريد خاقان، ويتبع حاشية يَزْدَجِرد وأهله في المسلمين والمشركين من أهل فارس، وخاقان والترك ببلْخ. فلما سمع بما ألْقى يَزْدَجِرد، وبخروج المسلمين مع الأحنف من مَرْو الرّوذ نحوه، ترك بلْخ، وعبر النهر؛ وأقبل الأحنف حتى نزلَ بلْخ؛ ونزل أهل الكوفة في كُورها الأربع، ثم رجع إلى مَرْو الرّوذ فنزل بها؛ وكتب بفتْح خاقان ويَزْدَجِرد إلى عمر، وبعث إليه بالأخماس، ووفّد إليه الوفود. قالوا: ولما عَبَر خاقان النهر، وعبرت معه حاشية آل كسرى، أو من أخذ نحو بَلْخ منهم مع يَزْدَجِرد؛ لقوا رسولَ يزدجرد الذي كان بعث إلى ملك الصين، وأهدى إليه معه هدايا، ومعه جواب كتابه من ملك الصين. فسألوه عمّا وراءه، فقال: لما قدِمت عليه بالكتاب والهدايا كافأنا بما تروْن - وأراهم هديّته - وأجاب يَزْدجرد، فكتب إليه بهذا الكتاب بعد ما كان قال لي: قد عرفت: أنّ حقًّا على الملوك إنجاد الملوك على مَنْ غَلبَهم، فصِفْ لي صِفة هؤلاء القوم الّذين أخرجوكم من بلادكم؛ فإنّي أراك تذكر قلةً منهم، وكثرة منكم، ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم فيما أسمع من

<<  <  ج: ص:  >  >>