للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثرتكم إلّا بخيرٍ عندهم، وشرّ فيكم؛ فقلت: سلني عما أحببتَ، فقال: أيوفون بالعهد؟ قلت: نعم، قال: وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم؛ قلت: يَدْعوننا إلى واحدة من ثلاث: إمّا دينهم فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمنْعة، أو المنابذة. قال: فكيف طاعتهم أمراءهم؟ قلت: أطوَعُ قوم لمرشدِهم، قال: فما يُحلّون، وما يَحَرّمون؟ فأخبرته، فقال: أيحرّمون ما حُلِّل لهم، أو يحلون ما حرِّم عليهم؟ قلت: لا، قال: فإنّ هؤلاء القوم لا يهلِكون أبدًا؛ حتى يُحلّوا حرامَهم، ويحرّموا حلالهم. ثم قال: أخبرني عن لباسهم؛ فأخبرته، وعن مطاياهم، فقلت: الخيل العِراب - ووصفتها - فقال: نعمت الحصُون هذه! ووصفتُ له الإبلَ وبروكها وانبعاثها بحملها، فقال: هذه صفة دوابّ طوال الأعناق.

وكتب معه إلى يزدجرد كتابًا: إنه لم يمنعني أن أبعثَ إليك بجيش أوّله بمَرْو وآخره بالصّين الجهالةُ بما يحقّ عليّ، ولكن هؤلاء القوم الذين وصَف لي رسولك صفتَهم لو يحاولون الجبال لهدّوها، ولو خُلّي سَرْبهم أزالوني ما داموا على ما وصف؛ فسالمْهم وارضَ منهم بالمساكنة؛ ولا تُهجْهم ما لم يُهِيجُوك.

وأقام يَزْدَجِرِد وآل كسرى بفَرْغانة، معهم عهد من خاقان. ولمَّا وقع الرسول بالفتح والوفد بالخبر ومعهم الغنائم بعمر بن الخطاب من قِبَل الأحنف، جمع الناس وخطبهم، وأمر بكتاب الفتح فقرئ عليهم، فقال في خطبته: إنّ الله تبارك وتعالى ذكَر رسولَه - صلى الله عليه وسلم -، وما بعثه به من الهدى، ووعد على اتّباعه من عاجل الثواب وآجله خيرَ الدنيا والآخرة. فقال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}؛ فالحمد الذي أنجز وعده، ونصر جنده. ألا إنّ الله قد أهلك ملك المجوسيّة، وفرّق شملَهم، فليسُوا يملكون من بلادهم شبرًا يضرّ بمسلم. ألَا وإنّ الله قد أورَثكم أرضَهم، وديارَهم، وأموالَهم، وأبناءهم؛ لينظر كيف تعملون! ألا وإنّ المصرَيْن من مسالحها اليوم كأنتم والمصرَيْن فيما مضَى من البُعد، وقد وغلوا في البلاد، والله بالغ أمرَه، ومنجز وعْده؛ ومتبع آخر ذلك أوّلَه، فقوموا في أمره على رجل يوفِّ لكم بعهده، ويؤتِكم وعدَه؛ ولا تبدّلوا، ولا تغيّروا؛ فيستبدل الله

<<  <  ج: ص:  >  >>