فأخذ على طريق الطَّبَسَينْ، وقُهِستان، حتى شارف مَرْو في زهاء أربعة آلاف رجل، ليجمع من أهل خُراسان جموعًا، ويكرّ إلى العرب ويقاتلهم، فتلقاه قائدان متباغضان متحاسدان كانا بمَرْو؛ يقال لأحدهما: براز والآخر: سَنْجان؛ ومَنحَاه الطاعة، وأقام بمَرْو، وخصّ براز فحسده ذلك سَنجان، وجعل براز يبغي سَنْجان الغوائل، ويوغِل صدر يَزْدَجِرد عليه، وسعى بسَنْجان حتى عزم على قتله؛ وأفشى ما كان عزم عليه من ذلك إلى امرأة من نسائه كان براز واطأها؛ فأرسلت إلى بَراز بنسوة زعمت بإجماع يَزْدَجِرد على قتل سَنْجان، وفشا ما كان عزم عليه يَزْدَجِرد من ذلك. فنذِر سَنْجان، وأخذ حِذْره، وجمع جمعًا كنحو أصحاب براز، ومن كان مع يَزْدَجرد من الجند، وتوجّه نحو القصر الذي كان يَزْدَجِرد نازلَه. وبلغ ذلك براز، فنكص عن سَنجان لكثرة جُموعه، ورَعَب جمع سنجان يَزْدَجِرد وأخافه، فخرج من قصره متنكّرًا، ومضى على وجهه راجلًا لينجوَ بنفسه، فمشى نحوًا من فرسخين حتى وقع إلى رحًا ما، فدخل بيت الرّحا، فجلس فيه كالًّا لغبًا، فرآه صاحب الرّحا ذا هيئة وطرّة وبِزّة كريمة، ففرش له، فجلس وأتاه بطعام فطعم، ومكث عنده يومًا وليلة، فسأله صاحب الرّحا أن يأمر له بشيء، فبذل له منطقة مكلَّلة بجوهر كانت عليه؛ فأبى صاحب الرَّحا أن يقبلها، وقال: إنما كان يرضيني من هذه المنطقة أربعة دراهم كنت أطعم بها وأشرب، فأخبره أنه لا ورق معه، فتملّقه صاحب الرحا؛ حتى إذا غفا قام إليه بفأس له فضرب بها هامته فقتله، واحتزّ رأسه؛ وأخذ ما كان عليه من ثياب ومنطقة، وألقى جيفته في النهر الذي كان تدور بمائه رحاه، وبقَر بطنه، وأدخل فيه أصولًا من أصول طرْفاء كانت نابتة في ذلك النهر لتحبس جُثّته في الموضع الذي ألقاه فيه، فلا يسفل فيعرف ويطلب قاتله وما أخذ من سلَبه، وهرب على وجهه. وبلغ قتلُ يَزْدَجِرد رجلًا من أهل الأهواز كان مُطرانًا على مَرْو؛ يقال له: إيلياء، فجمع مَن كان قِبَله من النصارى، وقال لهم: إنّ ملِك الفرس قد قتل، وهو ابن شهريار بن كسرى؛ وإنما شهريار ولدُ شيرين المؤمنة التي قد عرفتم حقَّها وإحسانها إلى أهل ملّتها من غير وجه؛ ولهذا الملك عنصر في النصرانيّة مع ما نال النصارى في مُلْك جدّه كسرى من الشَّرَف؛ وقبل ذلك في مملكة ملوك من أسلافه من الخير؛ حتى بَنَى لهم بعض البِيع، وسدّد لهم بعض ملّتهم؛ فينبغي لنا أن نحزَن لقتل هذا الملك من كرامته بقدر إحسان أسلافه وجدّته