الإنعام؛ فإن البَطر لا يعتري الخيار؛ اذهبوا حيث شئتم، فإني كاتب إلى أمير المؤمنين فيكم.
فلمّا خرجوا دعاهم فقال: إني معيد عليكم. إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان معصومًا فولّاني، وأدخلني في أمره، ثم استُخلف أبو بكر رضي الله عنه فولّاني؛ ثمّ استُخلف عمر فولّاني، ثم استُخْلِف عثمان فولّاني، فلم ألِ لأحد منهم ولم يولِّني إلا وهو راضٍ عني؛ وإنما طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعمال أهلَ الجزاء عن المسلمين والغَناء؛ ولم يطلب لها أهل الاجتهاد والجهل بها والضعف عنها؛ وإن الله ذو سطَوات ونِقمات يمكر بمن مكر به، فلا تعرضوالأمر وأنتم تعلمون من أنفسكم غير ما تظهرون؛ فإنّ الله غير تارككم حتى يختبرَكم ويبديَ للناس سرائركم؛ وقد قال عزّ وجل: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.
وكتب معاوية إلى عثمان: إنه قدم عليّ أقوام ليست لهم عقول ولا أديان، أثقلهم الإسلام، وأضجرهم العدْل؛ لا يريدون الله بشيء، ولا يتكلّمون بحجّة؛ إنما همّهم الفتنة، وأموال أهل الذّمة؛ والله مبتليهم ومختبرهم، ثم فاضحهم ومخزيهم؛ وليسوا بالذين ينكون أحدًا إلا مع غيرهم، فَانْهَ سعيدًا ومَن قِبَله عنهم؛ فإنهم ليسوا لأكثر من شغَب أو نكير.
وخرج القوم من دمشق فقالوا: لا ترجعوا إلى الكُوفة، فإنهم يشمتون بكم، وميلوا بنا إلى الجزيرة، ودعوا العراق والشام. فأوَوا إلى الجزيرة، وسمع بهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد -وكان معاوية قد ولّاه حِمْص وولى عامل الجزيرة حَرّان والرّقة- فدعا بهم، فقال: يا آلة الشيطان! لا مرحبًا بكم ولا أهلًا! قد رجع الشيطان محسورًا وأنتم بعدُ نشاط؛ خَسر الله عبد الرحمن إن لم يؤدّبكم حتى يحسركم. يا معشر مَن لا أدري أعرب أم عجم! لكي لا تقولوا لي ما يبلغني أنكم تقولون لمعاوية؛ أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن من قد عجمته العاجِمات، أنا ابن فاقئ الرّدّة، والله لئن بلغني يا صعصعة بن ذلّ: أنّ أحدًا ممن معي دقّ أنفك ثم أمصّك لأطيرنّ بك طَيْرة بعيدة المهوَى. فأقامهم أشهرًا كلّما ركب أمشاهم، فإذا مرّ به صعصعة قال: يا بن الحطيئة! أعلمت أنّ من لم يصلحه الخير أصلحه الشرّ! مَا لَك لا تقول كما كان يبلغني أنّك تقول لسعيد،