فلما خرج قال أصحابه: أخرَجنا أخرجه الله؛ لا نجد بدًّا مما صنع؛ إن علم بنا عبد الرحمن لم يصدِّقنا ولم يستقلّها، فاتّبعوه فلم يلحقوه، وبلغ عبد الرحمن أنّهم قد رحلوا فطلبهم في السواد، فسار الأشتر سبعًا والقوم عشرًا، فلم يفجأ الناس في يوم جمعة إلَّا والأشتر على باب المسجد يقول: أيّها الناس! إني قد جئتكم من عند أمير المؤمنين عثمان، وتركت سعيدًا يريده على نقصان نسائكم إلى مئة درهم. وردّ أهل البلاء منكم إلى ألفين، ويقول: ما بالُ أشراف النساء؛ وهذه العلاوة بين هذين العِدْلين! ويزعم أنَّ فيئكم بستان قريش؛ وقد سايرته مرحلةً، فما زال يرجز بذلك حتى فارقته؛ يقول:
فاستخفّ الناسَ، وجعل أهلُ الحِجى ينهوْنه فلا يُسمع منهم، وكانت نفْجة، فخرج يزيد، وأمر مناديًا ينادي: مَن شاء أن يلحق بيزيدَ بن قس لرد سعيد وطلب أمير غيره فليفعل. وبقيَ حُلماء الناس وأشرافُهم ووجوههُم في المسجد، وذهب مَن سواهم، وعَمرو بن حُرَيث يومئذ الخليفة، فصعِد المنبرَ فحمِد الله وأثنى عليه، وقال: اذكروا نعمةَ الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا، بعد أن كنتم على شَفا حُفرة من النار فأنقذَكم منها، فلا تعودوا في شرّ قد استنقذكم الله عزّ وجلّ منه. أبَعْد الإسلامِ وهَدْيه وسنّته لا تَعرفون حقًّا، ولا تصيبون بابَه؛ فقال القَعقاع بنُ عمرو: أتردّ السيلَ عن عُبابه! فاردُدِ الفراتَ عن أدراجه، هيهات! لا والله لا تُسكّن الغَوغَاءَ إلَّا المَشرفيّة ويوشك أن تُنتضَى، ثم يَعِجّون عجيجَ العتْدان ويتمنّون ما هم فيه فلا يردّه الله عليهم أبدًا. فاصبر، فقال: أصبر، وتحوّل إلى منزله، وخرج يزيد بن قيس حتى نزل الجَرَعة، ومعه الأشتر، وقد كان سعيد تَلبّث في الطريق، فطلع عليهم سعيد وهم مقيمون له معسكرون، فقالوا: لا حاجة لنا بك. فقال: فما اختلفتم الآن؛ إنما كان يكفيكم أن تَبعثوا إلى أمير المؤمنين رجلًا وتضعوا إليّ رجلًا. وهل يخرج الألف لهم عقولٌ إلى رجل! ثم انصرَف عنهم وتحسَّوْا بمولىً له على بعير قد حُسِر، فقال: والله ما كان ينبِغي لسعيد أن يَرجع. فضرب الأشترُ عنقَه، ومضى سعيد حتى قَدِم على عثمان، فأخبَرَه الخبر، فمْال: ما يريدون؟ أخلَعَوا يدًا من طاعة؟ قال: أظهَروا أنهم يريدون البدَل. قال: فمن يريدون؟ قال: