اخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب، وليجامعكم هؤلاء الذين حُبِسوا عني. وأرسل إلى طلحة، والزبير، وعليّ، وعدّة: أن ادنُوا. فاجتمعوا فأشرف عليهم، فقال: يا أيّها الناس! اجلسوا، فجلسوا جميعًا: المحارب الطارئ، والمسالم المقيم، فقال: يا أهلَ المدينة؛ إنّي أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي؛ وإنّي والله لا أدخل على أحدٍ بعد يومي هذا حتى يقضي الله فى قضاءه؛ ولأدعَنّ هؤلاء وما وراء بابي غير معطيهم شيئًا يتّخذونه عليكم دَخلًا في دين الله، أو دنيا حتى يكون الله عزّ وجل الصانع في ذلك ما أحبّ. وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم، فرجعوا إلَّا الحسن، ومحمدًا، وابن الزبير، وأشباهًا لهم؛ فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم؛ وثاب إليهم ناس كثير، ولزم عثمان الدار (١). (٤: ٣٨٥).
٨٢٦ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة، وأبي عثمان، ومحمد، وطلحة، قالوا: كان الحصر أربعين ليلة والنزول سبعين، فلما مضت من الأربعين ثماني عشرة، قدم ركبان من الوجوه، فأخبروا خبر من قد تهيّأ إليهم من الآفاق: حبيب من الشأم، ومعاوية من مصر، والقعقاع من الكوفة، ومجاشع من البصرة؛ فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان؛ ومنعوه كلّ شيء حتى الماء؛ وقد كان يدخل عليّ بالشيء مما يريد. وطلبوا العلل فلم تطلع عليهم علّة، فعثروا في داره بالحجارة ليُرْمَوْا؛ فيقولوا: قوتلنا - وذلك ليلًا - فناداهم: ألا تتّقون الله! ألا تعلمون أن في الدار غيري! قالوا: لا والله ما رميناك. قال: فمن رمانا؟ قالوا: الله، قال: كذبتم، إنّ الله عزّ وجلّ لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطئوننا. وأشرف عثمان على آل حَزْم وهم جيرانه؛ فسرّح ابنًا لعمرو إلى عليّ بأنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئًا من الماء؛ فافعلوا. وإلى طلحة وإلى الزبير، وإلى عائشة رضي الله عنها، وأزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فكان أوّلهم إنجادًا له عليّ، وأمّ حبيبة؛ جاء عليّ في الغلَس، فقال: يا أيّها الناس! إنّ الذي تصنعون لا يشبه أمرَ المؤمنين ولا أمر الكافرين؛ لا تقطعوا عن هذا الرجل المادّة؛ فإن الرّوم، وفارس لتأسِرُ فتطعِم، وتسقي؛ وما تعرّض لكم هذا الرّجل؛ فبم تستحلّون حصره وقتله! قالوا: لا والله ولا نعمة