للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونهنههُم، فتراجعوا، وعظم على الفريقين، وأقسم على الصحابة ليدخلُنّ، فأبوا أن ينصرفوا، فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين - وقد كان المغيرة بن الأخنس بن شريق فيمن حجّ، ثم تعجَّل في نفر حجّوا معه، فأدرك عثمان قبل أن يقتَل، وشهد المناوشة، ودخل الدار فيمن دخل، وجلس على الباب من داخل؛ وقال: ما عذرنا عند الله إن تركناك ونحن نستطيع ألَّا ندعهم حتى نموت! فاتّخذ عثمان تلك الأيام القرآن نَحْبًا، يصلّي وعنده المصحف؛ فإذا أعيا جلس فقرأ فيه - وكانوا يروْن القراءة في المصحف من العبادة - وكان القوم الذين كفكفهم بينه وبين الباب؛ فلما بقي المصريون لا يمنعهم أحد من الباب، ولا يقدرون على الدخول؛ جاؤوا بنار، فأحرقوا الباب والسقيفة، فتأجّجَ الباب والسقيفة؛ حتى إذا احترق الخشب خرّت السقيفة على الباب، فثار أهل الدار وعثمان يصلّي؛ حتى منعوهم الدخول؛ وكان أول مَنْ برز لهم المغيرة بن الأخنس، وهو يرتجز:

قد عَلِمَتْ جارِيَةٌ عُطبولُ ... ذاتُ وشاحٍ ولَها جديلُ

أتى بِنَصْلِ السّيْفِ خَنْشَليلُ ... لأمْنَعَنَّ مِنْكُمُ خَليلي

بصارِمٍ ليس بذي فُلولِ

وخرج الحسن بن عليّ وهو يقول:

لا دينُهُمْ ديني ولا أنا مِنْهُمُ ... حتى أسيرَ إلى طَمَارِ شَمام

وخرج محمد بن طلحة وهو يقول:

أنا ابنُ من حامى عليه بأُحُدْ ... ورَدّ أحْزَابًا على رغْمِ مَعَدّ

وخرج سعيد بن العاص وهو يقول:

صَبَرْنا غَداةَ الدارِ والمَوْتُ واقِبُ ... بأسْيافنا دون ابْنِ أرْوَى نُضاربُ

وكنّا غَداة الرَّوْعِ في الدار نُصْرَةً ... نشافِهُهُمْ بالضَّرْبِ والموْتُ ثاقِبُ

فكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير؛ وأمره عثمان أن يصير إلى أبيه في وصيّة بما أراد، وأمره أن يأتيَ أهل الدار، فيأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، فخرج عبد الله بن الزبير آخرَهم؛ فما زال يدّعي بها، ويحدّث الناس عن عثمان بآخر ما مات عليه (١). (٤: ٣٨٧/ ٣٨٨ / ٣٨٩).


(١) إسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>