الله دينُه فلم يبال مَنْ ولّاه، والدّين يومئذ يُعبد به الله، ولم يتفرّق أهله، فتوكلوا، أو تخْذلُوا، وتعاقَبوا! أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة؛ وإنما كابرتم مكابرة، فوكّل الله الأمة إذا عصته لم تشاوروا في الإمام، ولم تجتهدوا في موضع كراهته! أم تقولون: لم يَدْرِ الله ما عاقبة أمري؛ فكنتُ في بعض أمري محسنًا، ولأهل الدين رضًا، فما أحدثتُ بعدُ في أمري ما يسْخط الله، وتسْخَطون مما لم يعلم الله سبحانه يومَ اختارني، وسربلني سربال كرامته! وأنشدكم بالله، هل تعلمون لي من سابقة خير وسلف خير قدّمه الله لي، وأشهدنيه من حقه! وجهادُ عدّوه حقٌّ على كلّ مَن جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلَها. فمَهلًا، لا تقتلوني؛ فإنه لا يحلّ إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كَفر بعد إسلامه، أو قتل نفسًا بغير نفس فيقتل بها؛ فإنكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم؛ ثم لم يرفعه الله عزّ وجلّ عنكم إلى يوم القيامة. ولا تقتلوني فإنكم إن قتلتموني لم تُصلُّوا من بعدي جميعًا أبدًا، ولم تقتسموا بعدي فيئًا جميعًا أبدًا، ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبدًا.
قالوا له: أمّا ما ذكرت من استخارةِ الله عزّ وجلّ الناس بعد عمر رضي الله عنه فيمن يولّون عليهم، ثم ولّوْك بعد استخارة الله؛ فإنّ كلّ ما صنع الله الخيَرة؛ ولكن الله سبحانه جعل أمرك بليّةً ابتلى بها عباده. وأما ما ذكرت من قدَمك وسبْقك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنك قد كنت ذا قِدَم وسلَفٍ، وكنت أهلًا للولاية؛ ولكن بدّلْت بعد ذلك، وأحدثت ما قد علمت. وأما ما ذكرت مما يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء؛ فإنه لا ينبغي تركُ إقامة الحقّ عليك مخافة الفتنة عامًا قابلًا. وأما قولك: إنه لا يحلّ إلّا قتل ثلاثة؛ فإنا نجد في كتاب الله قتلَ غير الثلاثة الذين سمّيتَ؛ قَتْل مَن سعى في الأرض فسادًا، وقَتْل مَنْ بغَى ثم قاتل على بغيه، وقتل مَن حال دون شيء من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه؛ وقد بغيتَ، ومنعتَ الحقّ، وحُلت دونه؛ وكابرتَ عليه؛ تأبى أن تُقيدَ من نفسك مَن ظلمت عمدًا، وتمسّكت بالإمارة علينا وقد جُرْت في حكمك وقَسْمك! فإن زعمت: أنك لم تكابرنا عليه، وأنّ الذين قاموا دونك، ومنعوك منا إنما يقاتلون بغير أمرك؛ فإنما