غيري، وإما يُرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد وأهل المدينة فيتبرّؤون من الذي جعل الله سبحانه لي عليهم من السمع والطاعة. فقلت لهم: أمّا إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب؛ فلم يُسْتَقد من أحد منهم؛ وقد علمت أنما يريدون نفسي؛ وأمّا أن أتبرأ من الإمارة فأنْ يكْلُبوني أحبّ إلى من أن أتبرّأ من عمل الله عز وجل وخلافته. وأما قولكم: ترسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من طاعتي؛ فلست عليكم بوكيل؛ ولم أكن استكرهتهم من قبل على السمع والطاعة؛ ولكن أتوها طائعين، يبتغون مرضاةِ الله عزّ وجل وإصلاح ذات البين؛ ومن يكن منكم إنما يبتغي الدنيا فليس بنائل منها إلّا ما كتب الله عز وجلّ له، ومن يكن إنما يريد وجه الله، والدار الآخرة، وصلاح الأمة، وابتغاء مرضاة الله عزّ وجلّ، والسنة الحسنة التي استنّ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخليفتان من بعده رضي الله عنهما؛ فإنما يجْزِي بذلكم الله؛ وليس بيدِي جزاؤكم؛ ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثمن لدينكم؛ ولم يُغْنِ عنكم شيئًا، فاتقوا الله واحتسبوا ما عنده؛ فمن يرضَ بالنكث منكم فإني لا أرضاه له، ولا يرضى الله سبحانه أن تنكُثوا عهده. وأما الذي يخيّرونني فإنما كله النزع والتأمير. فملَكْت نفسي ومَنْ معي؛ ونظرت حكم الله وتغيير النعمة من الله سبحانه، وكرهت سنَّة السوء، وشقاق الأمّة، وسفك الدماء؛ فإني أنشدكم بالله والإسلام ألّا تأخذوا إلّا الحق، وتعطُوه مني، وتركَ البغي على أهله، وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عزّ وجلّ، فإني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والمؤازرة في أمر الله؛ فإنّ الله سبحانه قال وقوله الحق:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}، فإن هذه معذرة إلى الله، ولعلكم تذكّرون.
أما بعد، فإني لا أبرئ نفسي، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)}، وإن عاقبت أقوامًا فما أبتغي بذلك إلّا الخير، وإني أتوب إلى الله عز وجلّ من كلّ عمل عملته، وأستغفره إنه لا يغفر الذنوب إلّا هو، إنّ رحمة ربي وسعت كلّ شيء، إنه لا يقنط من رحمة الله إلّا القومُ الضَّالون، وإنه يقبلُ التَّوبةَ عَنْ عباده، ويعفو عن السّيئات، ويعلم ما يفعَلُون. وأنا أسأل الله عزّ وجلّ أن يغفر لي ولكم، وأن يؤلّف قلوبَ هذه الأمة على الخير، ويكرّه إليها الفسق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها المؤمنون والمسلمون.