عزّ وجلّ، واحذروا عذابه؛ فإنكم لن تجدوا أمةً هلكت إلّا من بعد أن تختلف؛ إلا أن يكون لها رأس يجمعها، ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعًا، وسُلِّط عليكم عدوّكم، ويستحلّ بعضكم حرَم بعض؛ ومتى يفعل ذلك لا يقم لله سبحانه دين، وتكونوا شيعًا، وقد قال الله جلّ وعزّ لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. وإني أوصيكم بما أوصاكم الله، وأحذّركم عذابه؛ فإن شعيبًا - صلى الله عليه وسلم - قال لقومه:{وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} إلى قوله: {رَحِيمٌ وَدُودٌ}.
أما بعد؛ فإنّ أقوامًا ممن كان يقول في هذا الحديث أظهروا للناس أنَّمَا يدعون إلى كتاب الله عزّ وجلّ والحقّ، ولا يُريدون الدّنيا ولا منازعةً فيها؛ فلما عرِض عليهم الحقّ؛ إذا الناس في ذلك شتى؛ منهم آخذ للحق، ونازع عنه حين يعطاه؛ ومنهم تارك للحقّ ونازلٌ عنه في الأمر، يريد أن يبتزّه بغير الحقّ؛ طال عليهم عمري، وراثَ عليهم. أمَلُهم الإمْرة؛ فاستعجلوا القَدَر؛ وقد كتبوا إليكم أنهم قد رجعوا بالذي أعطيتهم؛ ولا أعلم أنّي تركت من الذي عاهدتهم عليه شيئًا؛ كانوا زعموا أنهم يطلبون الحُدود، فقلت: أقيموها على مَن علمتم تعدّاها في أحَد، أقيموها على مَن ظلمكم من قريب أو بعيد. قالوا: كتاب الله يُتَلى، فقلت: فَلْيتلُه مَنْ تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب. وقالوا: المحروم يرزق، والمال يوفَّى ليُسْتَنّ فيه السنّة الحسنة، ولا يُعتدى في الخُمس ولا في الصدقة، ويؤمَّر ذو القوّة والأمانة، وتردُّ مظالم الناس إلى أهلها؛ فرضيت بذلك واصطبرت له؛ وجئت نسوة النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم حتى كلمتهنّ، فقلت: ما تأمرنني؛ فقلن: تُؤَمِّر عمرو بن العاص، وعبد الله بن قَيْس، وتَدَع معاوية؛ فإنما أمّره أمير قبلك؛ فإنه مصلح لأرضه، راضٍ به جنده؛ واردد عمرًا؛ فإنّ جنده راضون به، وأمّرْه فليصلح أرضه؛ فكلّ ذلك فعلت. وإنه اعتُديَ عليّ بعد ذلك، وعُدِي على الحقّ.
كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في الأمر؛ استعجلوا القَدَر، ومنعوا مني الصلاة، وحالوا بيني وبين المسجد، وابتزُّوا ما قدروا عليه بالمدينة.
كتبت إليكم كتابي هذا؛ وهم يخيّرونني إحدى ثلاث: إما يُقيدونَني بكلّ رجل أصبته خطأ أو صوابًا، غير متروك منه شيء؛ وإمّا أعتزل الأمر فيؤمِّرون آخرَ