على انتصارٍ من هؤلاء الأشرار؛ لتَرْك هذا إلى ما قال عليّ أمثل. وبعضهم يقول: نقضي الّذي علينا ولا نؤخّره، ووالله إنّ عليًّا لمستغنٍ برأيه وأمره عنا، ولا نراه إلّا سيكون على قُريش أشدّ من غيره. فذُكر ذلك لعليّ، فقام، فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر فَضْلهم، وحاجته إليهم، ونظرَه لهم، وقيامه دونهم، وأنه ليس له من سلطانهم إلّا ذلك، والأجر من الله عزّ وجلّ عليه، ونادى: برئت الذمة من عبدٍ لم يرجع إلى مواليه. فتذامَرت السّبئيّة، والأعْراب، وقالوا: لنا غدًا مثلها، ولا نستطيع نحتجّ فيهم بشيء (١). (٤: ٤٣٦/ ٤٣٧/ ٤٣٨).
٩١٩ - وكتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن محمد، وطلحة، قالا: خرج عليٌّ في اليوم الثالث على الناس، فقال: يا أيُّها الناس! أخرجوا عنكم الأعْراب. وقال: يا معشر الأعراب! الحقوا بمياهكم. فأبت السَّبئيَّة، وأطاعهم الأعراب. ودخل عليٌّ بيته، ودخل عليه طلحة، والزّبير، وعدّة من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: دونكم ثأركم فاقتلوه؛ فقالوا: عَشوا عن ذلك، قال: هم والله بعد اليوم أعْشى، وآبى. وقال:
لو أنَّ قومي طاوعَتْني سَرَاتُهُمْ ... أمَرْتهُمُ أمْرًا يُديخُ الأعاديا
وقال طلحة: دعني فلآت البصرة، فلا يفْجؤك إلّا وأنا في خيل، فقال: حتى أنظر في ذلك. وقال الزّبير: دعني آتِ الكوفة، فلا يفجؤك إلّا وأنا في خيل، فقال: حتى أنظر في ذلك؛ وسمع المغيرة بذلك المجلس فجاء حتى دخل عليه، فقال: إنّ لك حقّ الطاعة، والنصيحة، وإنّ الرّأي اليوم تُحرز به ما في غد، وإنّ الضَّيَاع اليومَ تضيِّع به ما في غد؛ أقْرِرْ معاويةَ على عمله، وأقرر ابنَ عامر على عمله، وأقرر العمّال على أعمالهم، حتى إذا أتتك طاعتهم، وبيعةُ الجنود استَبْدَلْت، أو تركت. قال: حتى أنظر.
فخرج من عنده وعاد إليه من الغد، فقال: إني أشرت عليك بالأمس برَأي، وإنّ الرأي أن تعاجلهم بالنزوع، فيعرف السامع من غيره ويستقبل أمرك؛ ثمّ
(١) إسناده ضعيف وفي متنه نكارة، وإلّا فكيف يقبل الصحابة بيعة مشروطة وهم أفقه الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورواية سيف هذه تبين أن طلحة والزبير بايعوه بشرط إقامة الحدود منها القصاص من قتلة عثمان وهذا غير صحيح ولذلك قال ابن العربي: فإن قيل: بايعوه على أن يقتل قتلة عثمان. قلنا: هذا لا يصح في شرط البيعة (العواصم/ ١٥٠).