للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يهلك عنه إلا هالك، وإنّ المبتدَعات والشبهات هنّ المهلكات إلّا من حفظ الله، وإن في سُلْطان الله عصمة أمركم، فأعطوه طاعَتَكم غيرَ مَلْويَّة ولا مستكرَه بها، والله لتفعلُنّ أو لينقُلنّ الله عنكم سلطانَ الإسلام ثمّ لا ينقلُه إليكم أبدًا حتى يأرِزَ الأمر إليها! انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرّقون جماعَتكم، لعلّ الله يصلح بكم ما أفْسد أهلُ الآفاق، وتقضُون الذي عليكم. بينا هم كذلك إذ جاءَ الخبرُ عن أهل مكة بنحو آخر وتمامٍ على خلاف، فقام فيهم بذلك؛ فقال: إن الله عز وجلّ جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة، وجعل لمن لزم الأمْر واستقام الفوزَ والنَّجاة، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل. ألا وإنّ طلحة والزّبير وأمّ المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي، ودَعوا النّاس إلى الإصلاح، وسأصبر ما لم أخَفْ على جماعتكم، وأكفّ إن كفوا، وأقتصر على ما بلغني عنهم.

ثمّ أتاه: أنهم يريدون البصرة لمشاهدة النّاس والأصلاح، فتعبّى للخروج إليهم، وقال: إن فعلوا هذا فقد انقَطع نظامُ المسلمين وما كان عليهم في المقام فينا مَؤُونة ولا إكْراه. فاشتدّ على أهل المدينة الأمرُ، فتثاقَلُوا، فبعث إلى عبد الله بن عمر كُميْلًا النَّخَعِيّ، فجاء به فقال انهض معي، فقال: أنا مع أهل المدينة، إنما أنا رجل منهم وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم لا أفارقهم، فإن يخرجوا؛ أخرجْ وإن يقعدوا؛ أقعد. قال: فأعطني زعيمًا بألّا تخرج، قال: ولا أعطيك زعيمًا، قال: لولا ما أعرف من سوء خُلقك صغيرًا وكبيرًا لأنكرْتني، دعوه فأنا به زعيم. فرجع عبد الله بن عمر إلى المدينة وهم يقولون: لا والله ما ندري كيف نصنع، فإنّ هذا الأمر لمشتَبه علينا، ونحن مُقيمون حتى يُضيء لنا، ويسفر.

فخرج من تحت ليلته وأخبر أمّ كلثوم بنت عليّ بالذي سمع من أهْل المدينة، وأنه يخرج معتمرًا مقيمًا على طاعة علىّ ما خلا النهوض؛ وكان صدوقًا فاستقَرَّ عندها؛ وأصبح عليّ، فقيل له: حدث البارحةَ حدَثٌ هو أشدّ عليك من طلحة، والزبير، وأمّ المؤمنين، ومعاوية. قال: وما ذلك؟ قال: خرج ابن عُمر إلى الشّأم! فأتى عليّ السوق، ودعا بالظَّهر، فحمل الرّجال، وأعدَّ لكل طريق طُلّابًا. وماج أهل المدينة، وسمعت أمّ كلثوم بالذي هو فيه، فدعت ببغْلتها، فركبتْها في رَحْل، ثمّ أتت عليًّا وهو واقفٌ في السوق يفرّق الرّجالَ في طلبه،

<<  <  ج: ص:  >  >>