للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقين من ذي الحجَّة يوم الجمعة؛ وتساقط الهرّاب إلى مكة، وعائشة مقيمة بمكّة تريد عُمرة المحرّم، فلما تساقط إليها الهرّاب استخْبرتهم فأخبروها أنْ قد قُتِل عثمان رضي الله عنه، ولم يُجبْهم إلى التأمير أحدٌ، فقالت عائشة رضي الله عنها: ولكن أكياس، هذا غِبَّ ما كان يدور بينكم من عتاب الاستصلاح؛ حتى إذا قضَتْ عمرتَها وخرجت فانتهت إلى سَرِف لقِيهَا رجلٌ عن أخوالها من بني لَيْث -وكانت واصلة لهم، رفيقة عليهم- يُقال له عبيد بن أبي سلمة يعرف بأمّه أمّ كلاب، فقالت: مَهْيم! فأصمّ، ودمدم، فقالت: ويحك! علينا أو لنا؟ فقال: لا تدري، قُتل عثمان وبقوا ثمانيًا، قالت: ثمّ صنعوا ماذا؟ فقال: أخذوا أهلَ المدينة بالاجتماع على عليّ، والقومُ الغالبون على المدينة. فرجحت إلى مكّة وهي لا تقول شَيئًا ولا يخرج منها شيء، حتى نزلت على باب المَسْجد وقصدت للحِجْر فستَّرَتْ فيه، واجتمع الناس إليها فقالت: يا أيّها الناس! إنّ الغوْغاء من أهل الأمصار، وأهل المياه، وعبيد أهل المدينة اجتَمعُوا أن عاب الغوغاءُ على هذا المقتول بالأمس الإرب، واستعمال مَنْ حدثت سنُّه، وقد استُعمل أسنانهم قبله، ومواضع من مواضع الحِمَى حماها لهم، وهي أمورٌ قد سُبق بها لا يصلح غيرها، فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحًا لهم، فلما لم يجدوا حجَّةً ولا عذرًا؛ خلجوا وبادوْا بالعدْوان، ونَبَا فِعْلُهم عن قَوْلهم؛ فسفكوا الدَّمَ الحرامَ، واستحلّوا البلَدَ الحرام؛ وأخذوا المالَ الحرامَ، واستحلّوا الشهر الحرام. والله لإصبَع عثمان خيرٌ من طِباق الأرْض أمثالهم! فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى يَنْكل بهم غيرهم ويشرَّد مَنْ بعدهم، ووالله لو أن الَّذي اعتدّوا به عليه كان ذنبًا لخلّص منه كما يخلّص الذّهب من خَبثه أو الثّوب من دَرَنِه؛ إذ ماصُوه كما يماصُ الثوب بالماء. فقال عبد الله بن عامر الحضرميّ: ها أنذا لها أوّل طالب - وكان أوّلَ مُجيب، ومنتدب (١). (٤: ٤٤٨/ ٤٤٩).


(١) إسناده ضعيف وفي متنه نكارة، ومعلوم أن الروايات الصحيحة جاءت خلاف ما ذكرت هذه الرواية من أن البيعة كانت بعد ثمانية أيام من مقتل عثمان رضي الله عنه وأن المدينة بقيت لأكثر من أسبوع بلا إمامة.
وأما السيدة عائشة فليست بهذه الخشونة في حديثها عن سيدنا عثمان حتى تقول عنه: (هذا المقتول بالأمس) وإن كان هكذا تقديرها لعثمان فلماذا قالت وفي نفس الرواية (هذه): والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم- وحتى قولها بأنهم قتلوه بعد أن مصوه وتركوه =

<<  <  ج: ص:  >  >>