منه، وعظّم ما أتيَ إليه، ودعا إلى الطلب بدَمه، وقال: إنّ في ذلك إعزازَ دين الله عز وجلّ وسلطانه، وأما الطلب بدم الخليفة المظلوم فإنه حدٌّ من حُدود الله، وإنكم إن فعلتم أصبتم وعادَ أمركم إليكم، وإن ترَكْتُم؛ لم يقُم لكم سلطانٌ، ولم يكن لكم نظام.
فتكلم الزبير بمثل ذلك. فقال مَن في ميمنة المِرْبد: صَدَقا وبرّا، وقالا الحق، وأمرَا بالحقّ. وقال مَن في ميسرته: فَجَرا وغَدَرا، وقالا الباطل، وأمرا به، قد بايعا ثم جاءا يقولان ما يقولان! وتحاثى الناس، وتحاصَبُوا، وأرهجوا، فتكلّمت عائشة -وكانت جهورية يعلو صوتها كثرة كأنه صوت امرأة جليلة- فحمِدت الله جلّ وعزّ، وأثنت عليه، وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان رضي الله عنه، ويُررُون على عمّاله، ويأتونَنا بالمدينة، فيَسْتَشيرونَنا فيما يخبروننا عنهم، ويروْن حسنًا من كلامنا في صلاح بينهم، فننظر في ذلك فنجده بريًّا، تقيًّا، وفيًّا، ونجدهم فجرَةً، كذبَة، يحاولون غير ما يظهرون. فلما قووا على المُكاثرة؛ كاثروه، فاقتحموا عليه دارَه، واستحلوا الدّمَ الحرامَ، والمال الحرامَ، والبلد الحرامَ، بلا تِرةٍ، ولا عُذْر، ألا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره، أخْذ قتلة عثمان رضي الله عنه وإقامة كتاب الله عزّ وجلّ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}.
فافترق أصحابُ عثمان بن حنيف فِرقتَيْن، فقالت فرقة: صَدَقَتْ والله، وبرَّت! وجاءت والله بالمعروف! وقال الآخرون: كذبتم والله ما نعرف ما تقولون! فتحاثَوْا، وتحاصَبوا، وأرْهجوا، فلما رأت ذلك عائشةُ انحدرت، وانحدر أهل المَيْمَنة مفارقين لعثمان؛ حتى وقفوا في المِرْبد في موضع الدبّاغين، وبقيَ أصحابُ عثمان على حالهم يتدافَعون حتى تحاجزوا، ومال بعضُهم إلى عائشة، وبقي بعضُهم مع عثمان على فم السكة. وأتى عثمانُ بن حُنَيف فيمن معه، حتى إذا كانوا على فم السكة، سكة المسجد عن يمين الدّباغين؛ استقبلوا الناس، فأخذوا عليهم بفمها.
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة، قال: فخرج أبو الأسود، وعمران، وأقبلَ حُكَيْم بن جَبَلة؛ وقد خرج وهو على الخيل، فأنشب القتال، وأشرع أصحابُ عائشة رضي الله عنها رماحَهم، وأمسكوا