فقال عثمان: إنا لله وإنا إليه راجعون! دارت رَحا الإسلام وربِّ الكعبة! فانظروا بأيّ زَيَفان تزيف؟ ! فقال عمران: إي والله لتعْرُكنَّكم عركًا طويلًا ثم لا يساوي ما بقيَ منكم كثير شيء؛ قال: فأشرْ عَليَّ يا عمران! قال: إني قاعد فاقعد، فقال عثمان: بل أمنعُهم حتى يأتيَ أمير المؤمنين عليّ، قال عمران: بل يحكم الله ما يريد، فانصرف إلى بيته، وقام عثمان في أمْره، فأتاه هِشام بن عامر فقال: يا عثمان! إنّ هذا الأمر الذي تروم يُسلم إلى شرٍّ مما تكره، إنّ هذا فَتْق لا يُرتَق، وصَدْع لا يُجبر، فسامحهم حتى يأتيَ أمرُ عليّ، ولا تحادِّهم، فأبَى، ونادى عثمان في الناس، وأمَرهم بالتَّهيُّؤ، ولبسوا السِّلاح، واجتمعوا إلى المسجد الجامع، وأقبلَ عُثمان على الكَيْد فكاد الناسَ لينظر ما عندهم، وأمرهم بالتهيُّؤ، وأمر رجلًا ودسَّه إلى الناس خَدِعًا كوفيًّا قيسيًّا، فقام فقال: يا أيُّها الناس! أنا قيس بن العَقَديّة الحُميْسِيّ، إنّ هؤلاء القوم الذين جاؤوكم إن كانوا جاؤوكم خائِفين فقد جاؤوا من المكان الذي يأمَن فيه الطير، وإن كانوا جاؤوا يطلبون بدَم عثمان رضي الله عنه فما نحن بقَتَلَة عثمان. أطيعوني في هؤلاء القَوْم فردّوهم من حيث جاؤوا. فقام الأسود بن سريع السعديّ، فقال: أوَ زعموا أنّا قتلة عثمان رضي الله عنه! فإنما فزعوا إلينا يَسْتعينون بنا على قَتَلة عثمان منا ومن غيرنا، فإن كان القوم أخرِجوا من ديارهم كما زعمت، فمن يمنعهم من إخراجهم الرجال أو البُلدان! فحصبه الناس، فعرف عثمان أنّ لهم بالبصرة ناصرًا ممن يقوم معهم، فكسره ذلك. وأقبلت عائشة رضي الله عنها فيمن مَعَها، حتى إذا انتهوا إلى المِرْبد، ودخلوا من أعْلاه، أمسكوا ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يخرج إليها ويكونُ معَها، فاجتمعوا بالمِرْبد وجعلوا يثوبون حتى غصَّ بالناس.
فتكلّم طلحةُ وهو في ميمنة المربد ومعه الزّبير وعثمان في ميسرته، فأنصتوا له، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر عثمان رضي الله عنه وفضْله والبلدَ وما استحلّ