زَوَوْا عنهم الفضول، فبادروا إلى بيت المال، وأكبّ عليهم الناس فأصابوا منهم، وخرج القوم حتى نزلوا على طريق عليّ، وأقام طلحة، والزّبير ليس معهما بالبصرة ثأر إلّا حُرْقوص، وكتبوا إلى أهل الشأم بما صنعوا، وصاروا إليه: إنا خرجنا لوضْع الحرب، وإقامة كتاب الله عزّ وجلّ بإقامة حُدوده في الشريف، والوضيع، والكثير، والقليل، حتى يكون الله عزّ وجلّ هو الذي يردّنا عن ذلك، فبايَعَنا خيارُ أهل البصرة، ونجباؤهم؛ وخالَفنَا شرارهم ونزّاعهم، فرَدُّونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا: نأخذُ أمَّ المؤمنين رهينة، أن أمَرتهم بالحقّ وحثَّتْهم عليه. فأعطاهم الله عزّ وجلّ سُنَّة المسلمين مرّة بعد مرّة، حتى إذا لم يبقَ حجَّة ولا عذر؛ استبسل قتلةُ أمير المؤمنين فخرجوا إلى مضاجعهم فلم يُفلت منهم مخبر إلّا حرقُوص بن زُهير، والله سبحانه مُقيده إن شاء الله. وكانوا كما وصف الله عزّ وجلّ؛ وإن نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به؛ فنلقى الله عزّ وجلّ وتلقوْنه وقد أعذرنا، وقضيْنا الذي علينا.
وبعثوا به مع سيَّار العجليّ، وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله مع رجُل من بني عمرو بن أسد يدعَى مظفّر بن معرّض، وكتبوا إلى أهل اليمامة وعليها سَبْرة بن عمرو العنبريّ مع الحارث السَّدوسيّ. وكتبوا إلى أهل المدينة مع ابن قُدامة القُشيريّ، فدسّه إلى أهل المدينة.
وكتبت عائشةُ رضي الله عنها إلى أهل الكوفة مع رسولهم: أمّا بعد فإني أذكّركم الله عزّ وجلّ والإسلام، أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه، اتقوا الله واعتصموا بحبله، وكونوا مع كتابه؛ فإنا قدمنا البصرة، فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حُدوده، فأجابَنا الصالحون إلى ذلك؛ واستقبلَنا من لا خير فيه بالسلاح، وقالوا: لنُتبعنكم عثمانَ، ليَزِيدوا الحدود تعطيلًا، فعاندوا، فشهدوا علينا بالكفر، وقالوا لنا المنكر، فقرأنا عليهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}. فأذعن لي بعضهم، واختلفوا بينهم، فتركناهم وذلك، فلم يمنع ذلك مَن كان منهم على رأيه الأوّل من وضع السلاح في أصحابي، وعزم عليهم عثمان بن حُنيف إلّا قاتَلوني حتى منعني الله عزّ وجلّ بالصّالحين، فردّ كيدهم في نحورهم، فمكثنا ستًّا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حُدوده - وهو حَقْن الدّماء أن تُهراق دون من قد حلّ دمُه - فأبوْا