فضرب رجل رِجْله فقطعها، فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه، فأصاب جسده فصرَعه، فأتاه حتى قتله، ثم اتّكأ عليه وقال:
يا فخْذِ لن تراعي ... إنَّ مَعي ذراعي
أحْمي بها كُراعي
وقال وهو يرتجز:
ليس عليَّ أنْ أمُوتَ عارُ ... والعارُ في الناس هو الفِرارُ
والمَجْدُ لَا يَفْضَحُهُ الدَّمارُ
فأتى عليه رجلٌ وهو رثيث، رأسه على الآخر، فقال: مَا لَك يا حُكيم؟ ! قال: قُتلتُ، قال: مَن قتلك؟ قال: وسادتي؛ فاحتمله فضمّه في سبعين من أصحابه، فتكلم يومئذ حُكيم وإنه لقائم على رِجل، وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتَع، ويقول: إنا خلّفنا هذيْن وقد بايعا عليًّا وأعطياه الطاعة، ثم أقبلا مخالفين مُحاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان، ففرّقا بيننا، ونحن أهلُ دار وجوار. اللهمَّ إنهما لم يريدا عثمان. فنادى مناد: يا خبيث! جزعت حين عضّك نكال الله عز وجلّ إلى كلام من نَصبَك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم، وفرّقْتُم من الجماعة، وأَصبتم من الدّماء، ونلتم من الدّنيا! فذُق وبال الله عزّ وجلّ وانتقامه، وأقيموا فيمن أنتم.
وقتِل ذَرِيح ومن معه، وأفلت حُرْقوص بن زهير في نَفَر من أصحابه، فلجؤوا إلى قومهم، ونادى مُنادي الزّبير وطلحة بالبصرة: ألَا من كان فيهم من قبائلكم أحدٌ ممن غزا المدينة فليأتِنا بهم. فجيء بهم كما يُجَاءُ بالكلاب، فقُتِلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعًا إلّا حرقوص بن زُهير؛ فإنّ بني سعد منعوه، وكان من بني سعد، فمسَّهم في ذلك أمر شديد، وضربوا لهم فيه أجلًا وخَشَّنوا صدورَ بني سعد وإنَّهم لعُثْمانية حتى قالوا: نَعتَزل؛ وغضبت عبدُ القَيْس حين غضبت سعد لمن قتل منهم بعد الوقعة ومَن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعةِ عليّ، فأمرا للنَّاس بأعطياتهم وأرزاقهم وحُقوقهم، وفضّلا بالفضل أهل السمع والطاعة، فخرجت عبدُ القيس وكثيرٌ من بَكر بن وائل حين