عليهم فاقتتلوا في المسجد وصبروا لهم، فأناموهم وهم أربعون، وأدخلوا الرّجال على عُثمان ليُخرجوه إليهما، فلما وصل إليهما توطّؤوه وما بقيت في وجهه شعرة، فاستعظما ذلك، وأرسلا إلى عائشة بالذي كان، واستطلعا رأيها. فأرسلت إليهما أن خلّوا سبيلَه فليذهب حيث شاءَ ولا تحبسوه، فأخرجوا الحرَس الذين كانوا مع عثمان في القصر ودخلوه، وقد كانوا يعتقبون حرسَ عثمان في كلّ يوم وفي كلّ ليلة أربعون، فصلَّى عبد الرحمن بن عتاب بالناس العشاءَ والفجرَ، وكان الرّسول فيما بين عائشة، وطلحة، والزّبير هو، أتاها بالخبر، وهو رجع إليهما بالجواب، فكان رسول القوم.
رجع الحديث إلى حديث سيف، عن محمد وطلحة؛ قالا؛ فأصبح طلحة، والزّبير، وبيتُ المال، والحرسُ في أيديهما، والناس معهما، ومن لم يكن معهما مغمور مستسرّ، وبعثا حين أصبَحا بأن حُكيمًا في الجمع، فبعثت: لا تحبسا عثمان وَدَعاه، ففعلا، فخرج عثمان فمضى لطلبته، وأصبح حُكيم بن جَبَلة في خيله على رجل فيمن تبعه من عبد القيس ومَنْ نزع إليهم من أفناء ربيعة، ثمَّ وجّهوا نحو دار الرّزق وهو يقولُ: لستُ بأخيه إن لم أنصره، وجعل يشتم عائشة رضي الله عنها، فسمعته امرأةٌ من قومه، فقالت: يا بنَ الخبيثة! أنت أوْلى بذلك! فطعنها فقتلَها، فغضبت عبد القيس إلّا من كان اغتُمِر منهم، فقالوا: فعلتَ بالأمس وعُدتَ لمثل ذلك اليوم! والله لندعنّك حتى يُقيدك الله. فرجعوا وتركوه، ومضى حُكيم بن جَبَلة فيمن غزا معه عثمان بن عفان وحصره من نزَّاع القبائل كلها، وعرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة، فاجتمعوا إليه، فانتهى بهم إلى الزّابوقة عند دار الرّزق، وقالت عائشة: لا تقتلوا إلّا من قاتلكم، ونادوا من لم يكن من قَتَلة عثمان رضي الله عنه فليكفف عنا، فإنا لانريد إلا قتلة عثمان ولا نبدأ أحدًا، فأنشب حُكيمٌ القتال ولم يرء للمنادي، فقال طلحة، والزّبير: الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة، اللهمّ لا تُبْقِ منهم أحدًا، وأقِدْ منهم اليوم فاقتلهم، فجادّوهم القتالَ فاقتتلوا أشدّ قتال ومعه أربعة قوّاد، فكان حُكَيم بحيال طلحة، وذَرِيج بحيال الزّبير، وابن المحرِّش بحيال عبد الرحمن بن عتّابٍ، وحُرْقوص بن زُهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلاثمئة رجُل، وجعل حُكيم يضرب بالسيف ويقول: