الفريقين ورسولُهم كعب بن سُور من المدينة. ولا يضارّ واحدٌ من الفريقين الآخرَ في مسجد، ولا سوق ولا طريق ولا فُرْضة، بينهم عيْبة مفتوحة حتى يرجع كعب بالخبر؛ فإن رجع بأنّ القوم أكرهوا: طلحةَ، والزّبير؛ فالأمر أمرُهما، وإن شاء عثمان خرج حتى يلحق بطيَّته، وإن شاء دخل معهما؛ وإن رجع بأنَّهما لم يكرَها فالأمرُ أمر عثمان، فإن شاء طلحة، والزّبير؛ أقاما على طاعة عليّ، وإن شاءا؛ خرجا حتى يلحقا بطيّتهما؛ والمؤمنون أعوان الفالح منهما.
فخَرجَ كعبٌ حتى يقدَم المدينةَ، فاجتمع الناس لقدومه، وكان قدومه يوم جمعة، فقام كعب فقال: يا أهلَ المدينة! إني رسول أهل البصرة إليكم؛ أأكرهَ هؤلاء القومُ هذين الرّجلين على بيعة عليّ، أم أتياها طائعيْن؟ فلم يجبْه أحدٌ من القوم إلّا ما كان من أسامة بن زَيْد، فإنه قام، فقال: اللهم إنهما لم يُبايعا إلّا وهما كارِهان. فأمر به تقام، فواثبه سهل بن حُنَيف والناس، وثار صُهيب بن سِنان، وأبو أيّوب بن زيد في عدّة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيهم محمد بن مسلمة، حين خافوا أن يُقتَل أسامة، فقال: اللهم نعم! فانفرِجُوا عن الرّجل! فانفرجوا عنه، وأخذ صهيب بيده حتى أخرجه فأدخله منزلَه، وقال: قد علمت أن أمّ عامر حامِقة، أما وَسعك ما وسعنا من السكوت! قال: لَا والله! ما كنت أرى أن الأمر يترامى إلى ما رأيت، وقد أبسَلَنا لِعظيم. فرجع كعبٌ؛ وقد اعتدّ طلحة، والزّبير فيما بين ذلك بأشياء كلها كانت مما يعتدّ به، منها: أنّ محمد بن طلحة -وكان صاحب صلاة- قام مقامًا قريبًا من عثمان بن حُنَيْف، فخشي بعضُ الزُّطّ والسيابجة أن يكون جاء لغير ما جاء له، فنحياه، فبعثا إلى عثمان، هذه واحدَة. وبلغ عليًّا الخبرُ الذي كان بالمدينة من ذلك، فبادر بالكتاب إلى عُثمان يعجّزه، ويقول: والله ما أكْرِها إلا كَرْهًا على فرقة، ولقد أكْرِها على جماعة وفضل، فإن كانا يُريدان الخلع؛ فلا عذرَ لهما، وإن كانا يُريدان غير ذلك؛ نَظَرْنا ونظرا. فقدِم الكتابُ على عثمان بن حُنيف، وقدم كعبٌ فأرسلوا إلى عثمان أن اخرج عنا، فاحتجّ عثمان بالكتاب وقال: هذا أمرٌ آخر غير ما كنا فيه؛ فجمع طلحة، والزّبير الرّجالَ في ليلة مظلمة باردة ذات رياح وندىً، ثمّ قصدا المسجدَ فوافقا صلاةَ العشاء -وكانوا يؤخّرونها- فأبطأ عثمانُ بن حُنيف فقدَّما عبد الرّحمن بن عتاب، فشهر الزّطُ والسيابجة السلاح ثم وضعوه فيهم. فأقبلوا