لم تفعل، فأخذوه، فقتلوه، فكنتُ أقصّ رؤيايَ على الناس في الحضَر والسفر، فيعجبون، ولا يدرون ما تأويلها! فلما قتل عثمان رضي الله عنه أتانا الخبرُ ونحن راجعون من غَزاتنا، فقال أصحابنا: رؤياك يا كُليب. فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلّا قليلًا حتى قيل: هذا طلحة، والزّبير معهما أمّ المؤمنين، فراع ذلك الناسَ وتعجّبوا، فإذا هم يزعمون للناس: أنهم إنما خرجوا غضَبًا لعثمان، وتوبةً مما صنعوا من خذلانه، وإنّ أمّ المؤمنين تقول: غضبنا لكم على عثمان في ثلاث: إمارة الفُتِيّ، وموقع الغمامة، وضربة السوط والعصا، فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه: حرمة الشهر، والبلد، والدم. فقال الناس: أفلم تُبايعوا عليًّا وتدخلوا في أمره! فقالوا: دخلنا واللجّ على أعناقنا، وقيل: هذا عليّ قد أظلّكم، فقال قومُنا لي ولرجلين معي: انطلقوا حتى تأتوا عليًّا وأصحابَه فسلوهم عن هذا الأمر الّذي قد اختلط علينا؛ فخرجنا حتى إذا دنونا من العسكر؛ طلع علينا رجل جميل على بغلة، فقلت لصاحبيّ: أرأيتم المرأةَ التي كنت أحدّثكم عنها: أنها كانت عند رأس الوالي؟ فإنها أشبه الناس بهذا، ففطن أنّا نخوضُ فيه، فلما انتهى إلينا قال: قفوا، ما الّذي قلتم حين رأيتموني؟ فأبينا عليه، فصاح بنا، وقال: والله لا تبرحون حتى تخبروني، فدخلتنا منه هيبةً، فأخبرناه، فجاوزَنا وهو يقول: والله لقد رأيت عجبًا، فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا: مَن هذا؟ فقال: محمّد بن أبي بكر، فعرفنا أن تلك المرأة عائشة رضي الله عنها، فازددنا لأمرها كراهيةً، وانتهينا إلى عليّ فسلمنا عليه، ثم سألناه عن هذا الأمر، فقال: عَدا الناس على هذا الرّجل وأنا مُعتزل فقتلوه، ثمّ ولَّوني وأنا كارهٌ، ولولا خشية على الدّين؛ لم أجبهم، ثمّ طفق هذان في النكث، فأخذت عليهما وأخذتُ عهودهما عند ذلك، وأذنْت لهما في العُمْرة، فقدما على أمّهما حليلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضيا لها ما رغبا لنسائهما عنه، وعرّضاها لما لا يحلّ لهما ولا يصلح، فاتّبعتُها لكيلا يفتقوا في الإسلام فتقًا، ولا يخرِقوا جماعة.
ثم قال أصحابه: والله ما نُريد قتالهم إلّا أن يقاتلوا، وما خرجنا إلّا لإصلاح. فصاح بنا أصحابُ عليّ: بايعوا بايعوا، فبايع صاحبيَّ، وأمّا أنا فأمسكتُ وقلت: بعثني قومي لأمر، فلا أحدث شيئًا حتى أرجع إليهم. فقال عليّ: فإن لم يفعلوا؟ فقلتُ: لم أفعل، فقال: أرأيتَ لو أنهم بعثوك رائدًا فرجعت إليهم، فأخبرتَهم