عن الكَلأ والماء فحالوا إلى المعاطش والجُدوبة ما كنت صانعًا؟ قال: قلتُ: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلأ والماء، قال: فمدّ يدك، فوالله ما استطعتُ أن أمتَنع، فبسطتُ يدي فبايعتُه، وكان يقول: عليٌّ من أدْهىَ العرب. وقال: ما سمعتَ من طلحة، والزّبير؟ فقلتُ: أما الزّبير فإنه يقول: بايعنا كرهًا، وأمّا طلحة فمقبل على أن يتمثّل الأشعارَ، ويقول:
ألَا أَبلِغ بني بكرٍ رسولًا ... فليسَ إلى بني كَعبٍ سبيلُ
سيَرجِعُ ظُلمُكمْ منكمْ عليكمْ ... طويلُ السَّاعدين له فضُول
ثم سار حتى نزل إلى جانب البصرة، وقد خَنْدق طلحة، والزّبير، فقال لنا أصحابنا من أهل البصرة: ما سمعتم إخواننا من أهل الكوفة يريدون، ويقولون؟ فقلنا: يقولون خرجنا للصلح وما نريد قتالًا، فبينا هم على ذلك لا يحدّثون أنفسهم بغيره؛ إذْ خَرج صبيان العسكرين، فتسابّوا، ثم ترامَوْا، ثم تتابع عبيدُ العسكرين، ثم ثلَّث السفهاء، ونشبت الحرب، وألجأتهم إلى الخندق، فاقتتلوا عليه حتى أجلَوْا إلى موضع القتال، فدخل منه أصحاب عليّ وخرج الآخرون.
ونادى عليّ: ألا لا تُتبعوا مُدبرًا، ولا تُجْهِزوا على جَريح، ولا تدخلوا الدّور، ونَهَى الناسَ، ثم بعث إليهم أن اخرجوا للبيعة، فبايعهم على الرّايات وقال: من عرف شيئًا فلْيأخذْه، حتى ما بقي في العسكرين شيء إلّا قبض، فانتهى إليه قوم من قيس شباب، فخطب خطيبُهم، فقال: أين أمراؤكم؟ فقال الخطيب: أصيبوا تحت نُظّار الجمل، ثمّ أخذ في خطبته، فقال عليٌّ: أما إنّ هذا لهو الخطيب السحْسَح، وفرغ من البيعة؛ واستعمل عبد الله بن عباس وهو يُريد أن يقيم حتى يحكم أمرها، فأمرني الأشتر أن أشتريَ له أثمنَ بَعير بالبصرة ففعلتُ، فقال: ائت به عائشة، وأقرئها مني السلام، ففعلتُ، فدعتْ عليه وقالت: اردُدْه عليه؛ فأبلغته، فقال: تلومُني عائشة أن أفلتُّ ابنَ أختها!
وأتاه الخبر باستعمال عليّ ابنَ عباس فغضب وقال: علامَ قتلنا الشيخ! إذ