فقال عبد الله بن السوداء: بئس الرّأي رأيت! أنتمْ يا قتلةَ عثمان من أهل الكوفة بذي قار ألفان وخمسمئة أو نحو من ستمئة، وهذا ابن الحنظليّة، وأصحابُه في خمسة آلاف بالأشواق إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلًا، فارقأ على ظَلْعك.
وقال علباء بن الهيثم: انصرفوا بنا عَنْهُمْ، ودعوهم، فإن قلّوا؛ كان أقوى لعدوهم عليهم، وإن كثروا؛ كان أحرى أن يصطلحوا عليكم؛ دَعُوهم، وارجِعوا، فتعلّقوا ببلد من البُلْدان حتى يأتيَكم فيه مَن تتّقون به، وامتنعوا من الناس. فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت! ودّ والله الناس أنكم على جَديلة، ولم تكونوا مع أقوام برآء، ولو كان ذلك الذي تقول لتخطّفكم كلّ شيء.
فقال عديّ بن حاتم: والله ما رضيتُ ولا كرهت، ولقد عجبت من تردّد من تَرَدَّد عن قتله في خوض الحديث، فأمّا إذ وقع ما وقع ونزل من الناس بهذه المنزلة، فإنْ لنا عتادًا من خيول وسلاح محمودًا، فإن أقدمتم أقْدَمنا وإن أمسكتم أحجمنا، فقال ابن السّوداء: أحسنت!
وقال سالم بن ثعلبة: مَنْ كان أراد بما أتى الدّنيا فإنّي لم أرِدْ ذلك، والله لئن لقيتُهم غدًا لا أرجع إلى بيتي، ولئن طال بقائي إذا أنا لاقيتُهُم لا يد على جَزْر جَزور، وأحلف بالله إنكم لتفرَقون السيوف فرَق قوم لا تصير أمورُهم إلّا إلى السّيف. فقال ابن السوداء: قد قال قولًا.
وقال شريح بن أوفى: أبرِموا أمورَكم قبل أن تخرجوا، ولا تؤخروا أمرًا ينبغي لكم تعجيلُه؛ ولا تعجّلوا أمرًا ينبغي لكم تأخيره؛ فإنّا عندَ الناس بشرّ المنازل، فلا أدري ما الناس صانِعون غدًا إذا ما هم التقوا!
وتكلّم ابن السوداء فقال: يا قوم! إنّ عزّكم في خُلْطة الناس، فصانعوهم، وإذا التقى الناس غدًا؛ فأنشبوا القتال، ولا تفرّغوهم للنظر، فإذا مَن أنتم معه لا يجد بدًّا من أن يمتنع، ويشغل الله عليًّا، وطلحة، والزبير، ومن رَأى رأيهم عمّا تكرهون. فأبصَروا الرّأي، وتفرّقوا عليه؛ والناس لا يشعرون.
وأصبح عليّ على ظَهر، فمضى ومضى الناس حتى إذا انتهى إلى عَبْد القيس؛ نزل بهم وبمن خرج من أهل الكوفة وهم أمام ذلك، ثم ارتحل حتى نزل على أهل