أرضَى هديَه، وأرجو صلاحَه ونصيحته، أسأل الله عزّ وجلّ لنا ولكم عملًا زاكيًا، وثوابًا جزِيلًا، ورحمةً واسعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين.
قال: ثم إنّ قيس بن سعد قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقال: الحمد لله الذي جاء بالحقّ، وأمات الباطل، وكبت الظالمين، أيّها الناس! إنا قد بايعْنا خير من نعلم بعد محمد نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فقوموا أيّها الناس فبايِعوا على كتاب الله عزّ وجلّ وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعةَ لنا عليكم.
فقام الناس فبايَعوا، واستقامت له مصر، وبعث عليها عمّاله، إلّا أن قريةً منها يقال لها:"خِرِبْتَا" فيها أناس قد أعظموا قتلَ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبها رجل من كنانة ثم من بني مُدْلِج يقال له: يزيد بن الحارث من بني الحارث بن مُدْلج، فبعث هؤلاء إلى قيس بن سعد: إنّا لا نقاتلك فابعث عمّالك، فالأرضُ أرضكَ، ولكن أقِرّنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس.
قال: ووثب مسلمة بن مخلَّد الأنصاريّ، ثمّ مَنْ ساعده من رهط قيس بن سعد، فنعى عثمان بن عفان رضي الله عنه، ودعا إلى الطلب بدمه، فأرسل إليه قيس بن سعد: ويحك، عليَّ تَثِب! فوالله ما أحبّ أنّ لي ملك الشام إلى مصرَ وأني قتلتك. فبعث إليه مسلمة: إني كافٌّ عنك ما دمت أنت واليَ مصر.
قال: وكان قيس بن سعد له حزم ورأي، فبعث إلى الذين بِخِرِبْتَا: إنِّي لا أكرِهكم على البيعة، وأنا أدَعُكم وأكفّ عنكم، فهادَنَهم، وهادَن مسلمة بن مخلَّد، وجَبى الخراجَ، ليس أحد من الناس ينازعه.
قال: وخرج أمير المؤمنين إلى أهل الجمل وهو على مصر، ورجع إلى الكُوفة من البصرة وهو بمكانه، فكان أثقلَ خلق الله على معاوية بن أبي سفيان لقربه من الشام، مخافة أن يُقبِل إليه عليٌّ في أهلِ العراق، ويُقبل إليه قيس بن سعد في أهل مصر، فيقع معاوية بينهما.
وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد - وعلىّ بن أبي طالب يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صِفّين: