من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد، سلام عليك، أمَّا بعد، فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمانَ بن عفان رضي الله عنه في أُثْرةٍ رأيتموها، أو ضربة سوط ضربها، أو شتيمة رجل، أو في تسييره آخر، أو في استعماله الفُتِيّ، فإنكم قد علمتم -إن كنتم تعلمون- أنَّ دمه لم يكن يحلّ لكم، فقد ركبتم عظيمًا من الأمر، وجئتم شيئًا إدًّا، فتبْ إلى الله عزّ وجلّ يا قيس بن سعد! فإنك كنت في المجلِبين على عثمان بن عفان - إن كانت التوبة من قتل المؤمن تُغني شيئًا - فأمّا صاحبك فإنا استيقنّا أنّه الذي أغْرَى به الناس، وحَمَلَهم على قتله حتى قتلوه، وأنه لم يسلم من دمه عُظْم قومك، فإن استطعت يا قيس أن تكون ممّن يطلب بدم عثمانَ فافعل. تابعْنا على أمرنا، ولك سلطان العِراقَين إذا ظهرتُ ما بقيت، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلْني غير هذا مما تحبّ، فإنّك لا تسألني شيئًا إلا أوتيتَه، واكتب إليّ برأيك فيما كتبت به إليك، والسلام.
فلما جاءه كتاب معاوية؛ أحبّ أن يدافعه ولا يبدي له أمره، ولا يتعجّل له حربه، فكتب إليه:
أمّا بعد: فقد بلغني كتابُك، وفهمتُ ما ذكرتَ فيه من قتل عثمانَ، وذلك أمر لم أقارفه، ولم أطِفْ به، وذكرتَ: أنّ صاحبي هو أغرى الناسَ بعثمان، ودسَّهم إليه حتى قتلوه، وهذا مالم أطّلع عليه، وذكرت: أن عظْم عشيرتي لم تَسلَم من دم عثمان، فأوّل الناس كان فيه قيامًا عشيرتي، وأمّا ما سألتَني من متابعتك، وعرضتَ عليّ من الجزاء به، فقد فهمتُه، وهذا أمر لي فيه نظر وفكرة، وليس هذا مما يسرَع إليه، وأنا كافّ عنك، ولن يأتيَك مِن قِبَلي شيء تكرهه حتى تَرَى، ونرى إن شاء الله، والمستجارُ الله عزّ وجلّ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: فلما قرأ معاوية كتابَه، لم يره إلّا مقارِبًا مباعِدًا، ولم يأمن أن يكون له فى ذلك مباعدًا مكايدًا، فكتب إليه معاوية أيضًا:
أمّا بعدُ: فقد قرأتُ كتابك، فلم أرك تدنو فأعُدّك سِلْمًا، ولم أرك تباعِد فأعُدّك حربًا، أنت فيما هاهنا كحنَك الجَزور، وليس مثلي يصانع المخادع, ولا يَنْتزع للمكايد، ومعه عدد الرّجال، وبيده أعنّةُ الخيل؛ والسلام عليك.