فلما قرأ قيس بن سعد كتاب معاوية، ورأى أنه لا يقبل معه المدافعة والمماطلة، أظهر له ذاتَ نفسه، فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من قيس بن سعد، إلى معاوية بن أبي سُفيان. أما بعد: فإنّ العَجب من اغترارك بي، وطمعِك فيّ، واستسقاطك رأيي. أتسومني الخروج من طاعة أوْلى الناس بالإمْرة، وأقْوَلِهم للحق، وأهداهم سبيلًا، وأقربهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيلةً، وتأمرني بالدُّخول في طاعتك، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقْوَلهم للزّور، وأضلِّهم سبيلًا، وأبعدِهم من الله عزّ وجلّ ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وسيلة، ولد ضالّين مُضلِّين، طاغوت من طواغيت إبليس! وأمّا قولك: إني مالئ عليك مصر خيلًا ورَجْلًا فوالله إن لم أشغَلك بنفسك حتى تكون نفسك أهمَّ إليك؛ إنك لذو جَدّ، والسلام! فلما بلغ معاوية كتاب قيس؛ أيس منه، وثقل عليه مكانُه.
رجع الحديث إلى حديث هشام عن أبي مخنف: ولما أيس معاوية من قيس أن يتابعه على أمره؛ شقّ عليه ذلك، لما يعرف من حزمه وبأسهِ، وأظهر للناس قِبلَه: أن قيس بن سعد قد تابعكم، فادعوا الله له، وقرأ عليهم كتابه الذي لان له فيه وقاربه، قال: واختلَق معاوية كتابًا من قيس بن سعد، فقرأه على أهل الشام:
بسم الله الرحمن الرحيم، للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد، سلامٌ عليك، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّني لمّا نظرت رأيت: أنه لا يسعني مظاهرة قوم قَتلوا إمامَهم مُسلِمًا مُحرَّمًا برًّا تقيًّا، فنستغفر الله عزّ وجلّ لذنوبنا، ونسأله العصمةَ لديننا، ألَا وإنني قد ألقيت إليكم بالسِّلم، وإني أجبتك إلى قتال قتلة عثمانَ، إمام الهدى المظلوم، فعوِّل عليّ فيما أحببت من الأموال والرجال أعجّل عليك، والسلام. فشاع في أهل الشام: أن قيس بن سعد قد بايع معاوية بن أبي سُفيان، فسرّحت عيون عليّ بن أبي طالب إليه بذلك؛ فلما أتاه ذلك، أعظمه، وأكبره، وتعجّب له، ودعا عبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك، فقال: ما رأيكم؟ فقال: عبد الله بن جعفر: يا أميرَ المؤمنين! دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يرِيبُك، اعزِل قيسًا عن مصر. قال لهم