وبالإحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين، ويعذّب المجرمين. وأمره أن يدعوَ منْ قبَله إلى الطاعة والجماعة، فإنّ لهم في ذلك من العاقبة وعظيم المثوبة ما لا يَقدرُون قدره، ولا يَعرفون كُنهه، وأمره أن يَجبيَ خراج الأرض على ما كانت تُجبَى عليه من قبل، لا يُنتقص منه، ولا يُبتدع فيه، ثمّ يقسمَه بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل، وأن يُلين لهم جناحَه، وأن يواسيَ بينهم في مجلسه ووجهه، وليكن القريبُ والبعيدُ في الحقّ سواء، وأمره أن يحكم بين الناس بالحقّ، وأن يقوم بالقسط، ولا يتّبع الهوى، ولا يَخَفْ في الله عزّ وجلّ لومة لائم، فإنّ الله عزّ وجلّ ثناؤه مع من اتقى، وآثر طاعته، وأمرَه على ما سواه.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغرّة شهر رمضان.
قال: ثمّ إن محمد بن أبي بكر قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: الحمد لله الذي هدانا وإيّاكم لما اختُلِف فيه من الحقّ، وبصّرنا وإيّاكم كثيرًا مما عَمِي عنه الجاهلون، ألا إنّ أمير المؤمنين ولّاني أمورَكم، وعهد إليّ ما قد سمعتم، وأوصاني بكثير منه مشافهةً، ولن آلوَكم خيرًا ما استطعت، {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}؛ فإن يكن ما ترون من إمارتي، وأعمالي طاعة لله، وتقوى؛ فاحمدوا الله عزّ وجلّ على ما كان من ذلك، فإنه هو الهادي، وإن رأيتم عاملًا عمل غير الحق زائغًا؛ فارفعوه إليّ، وعاتبوني فيه، فإني بذلك أسعَد، وأنتم بذلك جديرون، وفّقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته، ثمّ نزل (١). (٤: ٥٥٦/ ٥٥٧).
١٠٦٣ - وذكر هشام عن أبي مخنف، قال: وحدّثني يزيد بن ظَبيان الهمْدانيّ: أنّ محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لمّا وُلِّيَ؛ فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهتُ ذكرها لما فيه ممّا لا يحتمل سماعَها العامّة، قال: ولم يلبث محمد بن أبي بكر شهرًا كاملًا حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادَعَهم. فقال: يا هؤلاء! إمّا أن تدخلوا في طاعتنا، وإمّا أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، دعْنا حتى ننظرَ إلى ما تصير إليه
(١) إسناده تالف، وسنتحدث عنه بعد الرواية (٤/ ٥٥٧/ ١٠٦٣).