الناس، وأوقدوا النيران، وبات عليٌّ ليلتَه كلَّها يعبِّئ الناس، ويكتِّب الكتائب، ويدور في الناس يحرِّضهم.
١٠٩٠ - قال أبو مخنف: حدّثني عبد الرحمن بن جندب الأزديّ عن أبيه، أنّ عليًّا كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا فيه معه عدوًّا فيقول: لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم، فأنتم بحمد الله عزّ وجلّ على حجّة، وتركُكم إيّاهم حتى يبدؤوكم حجّة أخرى لكم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبِرًا، ولا تُجهِزوا على جريح، ولا تكشفوا عورةً، ولا تمثّلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتِكوا سترًا، ولا تدخلوا دارًا إلا بإذن، ولا تأخذوا شيئًا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تُهيِّجوا امرأةً بأذىً، وإن شتمن أعراضَكم، وسبَبن أمراءكم وصلحاءَكم، فإنهنّ ضعاف القُوَى والأنفس (١). (٥: ١٠ - ١١).
١٠٩١ - قال أبو مِخْنف: وحدّثني إسماعيل بن يزيد عن أبي صادق، عن الحضرميّ، قال: سمعت عليًّا يحرّض الناس في ثلاثة مواطن: يحرّض الناس يومَ صِفّين، ويومَ الجمل، ويوم النَّهر، يقول: عباد الله! اتقوا الله، وغُضّوا الأبصار، واخفضوا الأصوات، وأقلُّوا الكلام، ووطِّنوا أنفسكم على المنازلة، والمجاوَلة، والمبارَزة، والمناضَلة، والمُجالَدة، والمعانَقة، والمكادَمة، والملازمة، {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الأنفال: ٤٥]. {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، اللهم ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم لهم الأجر.
فأصبح عليّ من الغد، فبعث على الميمنة والميسرة والرجّالة والخيل، قال أبو مخنف: فحدّثني فضيل بن خَديج الكنِديّ: أن عليًّا بعث على خيل أهل الكوفة الأشتر، وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حُنَيف، وعلى رجّالة أهل الكوفة عمّار بن ياسر، وعلى رجّالة أهل البصرة قيس بن سعد، وهاشم بن
(١) إسناده تالف، وفيه نكارة وهي قوله: (ولا تأخذوا شيئًا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم) فلم ترد رواية صحيحة عن سيدنا علي يجيز لهم ذلك ولا أجازه الفقهاء على مدى العصور فكيف يجيز علي وهو من كبار فقهاء الصحابة، وأما توصيته بعدم الإجهاز على جريح أو ملاحقة هارب فقد ذكرنا ذلك في وقعة الجمل وفي خاتمة المطاف من معركة صفين في قسم الصحيح فليراجع.