عُتبة، ومعه رايته، ومِسعر بن فَدَكيّ التميميّ على قرّاء أهل البصرة، وصار أهل الكوفة إلى عبد الله بن بُدَيل، وعمّار بن ياسر.
قال أبو مخنف: وحدّثني عبد الله بن يزيد بن جابر الأزديّ عن القاسم مولى يزيد بن معاوية: أنّ معاوية بعث على ميمنته ابن ذي الكَلاع الحِمْيَرِيّ، وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهريّ، وعلى مقدّمته يوم أقبل من دمشق أبا الأعور السُّلَميّ -وكان على خيل أهل دمشق- وعمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها، ومسلم بن عقبة المرِّيّ على رجّالة أهل دمشق، والضحّاك بن قيس على رجّالة الناس كلها، وبايع رجال من أهل الشام على الموت، فعقّلوا أنفسهم بالعمائم، فكان المعقّلون خمسة صفوف، وكانوا يخرجون ويصُفّون عشرة صفوف، ويخرج أهل العراق أحد عشر صفًّا، فخرجوا أوّل يوم من صفِّين فاقتتلوا وعلى مَن خرج يومئذ من أهل الكوفة الأشتر، وعلى أهل الشام حبيبُ بن مسلمة، وذلك يوم الأربعاء، فاقتتلوا قتالًا شديدًا جُلَّ النهار، ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض، ثم خرج هاشم بن عُتبة في خيل ورجال حَسَنٍ عددُها وعُدّتها، وخرج إليه أبو الأعور، فاقتتلوا يومَهم ذلك، يحمل الخيل على الخيل، والرجال على الرجال، ثمّ انصرفوا وقد كان القوم صَبر بعضُهم لبعض، وخرج اليومَ الثالث عمّارُ بن ياسر، وخرج إليه عمرو بن العاص، فاقتتل الناس كأشدّ القتال، وأخذ عمّار يقول: يا أهلَ العراق! أتريدون أن تنظروا إلى من عادَى الله ورسوله وجاهدَهما، وبغى على المسلمين، وظاهَرَ المشركين، فلما رأى الله عزّ وجلّ يعزُّ دينَه، ويُظهر رسوله أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأسلم، وهو فيما نرَى راهب غير راغب؛ ثم قبض الله عزّ وجلّ رسوله - صلى الله عليه وسلم -! فوالله إنْ زال بعدَه معروفًا بعداوة المسلم، وهَوادة المجرم، فاثبُتوا له، وقاتِلوه فإنه يطفئ نورَ الله، ويظاهر أعداءَ الله عزّ وجلّ.
فكان مع عمّار زياد بن النّضْر على الخيل، فأمره أن يحمل في الخيل، فحمل، وقاتله الناس وصبروا له، وشدّ عمّار في الرجال، فأزال عمرو بن العاص عن موقفه، وبارز يومئذ زياد بن النّضر أخًا له لأمّه، يقال له: عمرو بن معاوية بن المنتفق بن عامر بن عُقَيل -وكانت أمّهما امرأة من بني يزيد- فلما التقيا تعارَفا فتواقفا، ثم انصرف كلّ واحد منهما عن صاحبه، وتراجع الناس.