للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٩٢ - قال أبو مِخْنف: حدّثني مالك بن أعيَن الجُهَنيّ عن زيد بن وهب: أن عليًّا قال: حتى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا! فقام في النّاس عشيّة الثلاثاء، ليلة الأربعاء بعد العصر، فقال: الحمد لله الذي لا يُبرَم ما نَقَض، وما أبرَم لا ينقضُه الناقضون، لو شاء ما اختلف اثنان من خَلْقه، ولا تنازعت الأمة في شيء من أمره، ولا جحد المفضولُ ذا الفضل فضلَه، وقد ساقتْنا وهؤلاء القوم الأقدار، فلفّت بيننا فى هذا المكان، فنحن من رَبِّنا بمرأى ومسمع، فلو شاء عجّل النِّقمة، وكان منه التغيير، حتى يكذِّب الله الظالم، ويَعلم الحقُّ أين مصيره؛ ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة عنده هي دار القرار {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: ٣١]، ألا إنكم لاقُوا القومِ غدًا، فأطِيلوا الليلة القيامَ، وأكثروا تلاوة القرآن، وسلُوا الله عزّ وجلّ النّصر والصبر، والقَوْهم بالجدّ والحزم، وكونوا صادقين، ثم انصرف، ووثب الناسُ إلى سيوفهم ورماحِهم ونبالهِم يصلحونها، ومرّ بهم كعب بن جُعَيل التغلبيّ وهو يقول:

أصْبَحَتِ الأمَّةُ في أمْرٍ عَجَبْ ... والمُلك مجمْوعٌ غدًا لمن غَلَبْ

فقلتُ قولًا صادقًا غيرَ كَذِبْ ... إنَّ غدًا تَهلكُ أعلامُ العربْ

قال: فلما كان من الليل خرج عليٌّ فعبّى الناس ليلته كلها، حتى إذا أصبح زحف بالناس، وخرج إليه معاوية في أهل الشام، فأخذ عليٌّ يقول: مَن هذه القبيلة؟ ومَن هذه القبيلة؟ فنُسبت له قبائل أهل الشام، حتى إذا عرفهم ورأى مراكزَهم قال للأزد: اكفُوني الأزد، وقال لخثْعم: اكفوني خَثْعم، وأمر كلَّ قبيلة من أهل العراق أن تكفيَه أختها من أهل الشام إلّا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى تكون بالشام، ليس منهم بالعراق واحد، مثل بَجيلة لم يكن منهم بالشام إلا عدد قليل، فصرفهم إلى لخْم، ثم تناهض الناس يومَ الأربعاء فاقتتلوا قتالًا شديدًا نهارهم كلَّه، ثم انصرفوا عند المساء؛ وكلٌّ غير


= عمار بن ياسر بصفين وركبتي تمس ركبته، فقال رجل: كفر أهل الشام، فقال عمار: لا تقولوا ذلك، نبينا واحد، وقبلتنا واحدة ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق، علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>