للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طأطأها خِلْت فيها ماء منصبًّا، وإذا رفعها كاد يُغْشِي البصرَ شعاعُها، وجعل يضرب بسيفه ويقول: الغَمَرَاتِ ثمَّ يَنْجَلِينا قال: فبصرُ به الحارث بن جُمهان الجُعفيّ؛ والأشتر متقنّع في الحديد، فلم يعرفه، فدنا منه فقال له: جزاك الله خيرًا منذ اليوم عن أمير المؤمنين، وجماعة المسلمين! فعرفه الأشتر. فقال: يابن جمهان! مثلُك يتخلّف عن مثل موطني هذا الّذي أنا فيه! فنظر إليه ابن جُمهان فعرفه، فكان من أعظم الرجال وأطوَله -وكان في لحيته خِفةٌ قليلة- فقال: جُعلت فداك! لا والله ما علمت بمكانك إلا الساعة، ولا أفارقك حتى أموت! قال: ورآه منقذٌ وحِمْير ابنا قيس الناعِطيّان، فقال منقذ لحميرَ: ما في العرب مثل هذا، إن كان ما أرى من قتاله على نيَّته، فقال له حمير: وهل النيّة إلا ما تراه يصنع! قال: إني أخاف أن يكون يحاول مُلْكًا (١). (٥: ٢٢).

١١٠١ - قال أبو مخنف: حدّثني فُضيل بن خَدِيج عن مولى للأشتر: أنه لما اجتمع إليه عُظْم من كان انهزم عن الميمنة حرّضهم، ثم قال: عَضّوا على النَّواجذ من الأضراس، واستقبِلوا القوم بهامِكم، وشُدّوا شِدّةَ قوم موتورين ثأرًا بآبائهم وإخوانهم حِناقًا على عدوِّهم، قد وطَّنوا على الموت أنفسَهم كيلا يُسبَقُوا بوَتر، ولا يلحقوا في الدنيا عارًا، وايمُ الله ما وُتِر قوم قطّ بشي أشدّ عليهم من أن يوتَروا دينَهم! وإنّ هؤلاء القوم لا يقاتلونكم إلا عن دينكم ليُميتوا السنَّة، ويُحيُوا البدعة، ويعيدوكم في ضلالة قد أخرجكم الله عزّ وجلّ منها بحسن البصيرة. فطيبوا عبادَ الله أنفسًا بدمائكم دون دينكم، فإن ثوابكم على الله، والله عنده جنّات النعيم، وإنّ الفِرار من الزّحف فيه السلب للعزّ، والغلَبة على الفيء، وذلّ المحيَا والممات، وعارُ الدنيا والآخرة.


(١) إسناده تالف، وفيه يبالغ أبو مخنف ليصف الأشتر بعاطفة الانتماء القبلي ويصوره بطلًا يؤدي دورًا أضخم مما يؤديه أمير المؤمنين علي، ويسرح بخياله وكأنه يرسم لوحة خيالية (وهو يصف حتى سلاح الأشتر فيقول): (في يده صفيحة يمانية إذ طأطأها خِلت فيها ماء منصبًا، وإذا رفعها كاد يغشي البصر شعاعها).
ولم يثبت هذا لا في رواية صحيحة ولا ضعيفة ولا حتى ضعيفة جدًّا بل انفرد به الهالك التالف أبو مخنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>