للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهَمدانُ زُرْقٌ تبتَغي مَن تُحالِفُ

وزحف الأشتر نحو الميمنة، وثاب إليه ناس تراجعوا من أهل الصبر والحياء والوفاء، فأخذ لا يصمُد لكتيبة إلا كَشفها، ولا لجمع إلا حازه وردّه؛ فإنه لكذلك؛ إذ مرّ بزياد بن النَّضْر يحمَل إلى العسكر، فقال: مَن هذا؟ فقيل: زياد بن النَّضر، استُلحم عبد الله بن بديل وأصحابه في الميمنة، فتقدّم زياد فرفع لأهل الميمنة رايته، فصبروا، وقاتل حتى صُرع، ثم لم يمكثوا إلا كَلَا شيء حتى مُرّ بيزيد بن قيس الأرحبيّ محمولًا نحو العسكر، فقال الأشتر: مَن هذا؟ فقالوا: يزيد بن قيس، لما صُرع زياد بن النّضر رفع لأهل الميمنة رايتَه، فقاتل حتى صُرع، فقال الأشتر: هذا واللهِ الصبرُ الجميل، والفعل الكريم، ألا يستحي الرّجلُ أن ينصرف لا يقتُل ولا يُقتَل، أو يُشفَى به على القتل (١). (٥: ١٩/ ٢٠/ ٢١).

١١٠٠ - قال أبو مخنف: حدّثني أبو جَناب الكلبيّ عن الحرّ بن الصيّاح النّخَعيّ: أن الأشتر يومئذ كان يقاتل على فرس له في يده صفيحة يمانية، إذا


(١) إسناده تالف وفي متنه نكارة، ولم يصح عن الأشتر أنه قال في جيش معاوية: (والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء -وأشار بيده إلى أهل الشام- رجل على مثال جناح بعوضة من محمد - صلى الله عليه وسلم -).
فهذه نكارة من نكارات أبي مخنف -وما أكثرها- ونرى من المناسب أن نذكر هنا رواية عن الأشتر تبيّن تمامًا زيف هذه الرواية فقد أخرج الحاكم في المستدرك (٣/ ١٠٧) وابن أبي شيبة (١٥/ ٢٦٥): (لما رجع علي من الجمل وتهيأ لصفين اجتمعت النخع حتى دخلوا على الأشتر فقال: هل في البيت إلّا نخعي؟ فقالوا: لا، فقال: إن هذه الأمة عمدت إلى خيرها فقتلته، وسرنا إلى أهل البصرة قوم لنا عليهم بيعة فنصرنا عليهم بنكثهم، وإنكم تسيرون غدًا إلى أهل الشام قوم ليس لكم عليهم بيعة، فلينظر امرؤ منكم أين يضع سيفه) وصححه الذهبي على شرط مسلم.
قلنا: وهذه رواية صريحة تؤكد أنه كان شاكًّا (ومنذ البداية وقبل وقوع المعركة) في صحة خروجه إلى صفين أم لا، وأراد من قومه أن يتريثوا خشية أن يرتكبوا خطأً كما فعل قوم في الفتنة قبلها- فمن أين اصطنع أبو مخنف هذا الحماس المنقطع النظير الذي ملأ قلب الأشتر حتى صاح قائلًا: (أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لن تبقى لكم)؟ ! أو يقول: (أنا أحالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع أبدًا حتى نظفر أو نهلك).

<<  <  ج: ص:  >  >>