بالعمائم حول معاوية، ثم شَدّ عليهم شَدّة أخرى فصرع الصفوف الأربعة، -وكانوا معقَّلين بالعمائم- حتى انتهوا إلى الخامس الذي حول معاوية، ودعا معاوية بفرس فركب، وكان يقول: أردت أن أنهزم فذكرتُ قولَ ابنِ الإطنابة من الأنصار -كان جاهليًّا، والإطنابة امرأة من بَلْقَيْن-:
أبتْ لي عِفّتي وحَياءُ نَفْسي ... وإقدامي على البَطَلِ الْمشيحِ
وإعطائي على المَكروهِ مالي ... وأخذي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبيح
وقَوْلي كُلَّمَا جَشَأت وجاشَتْ ... مكانَكِ تُحْمدي أو تَستَريحي
فمنعني هذا القولُ من الفرار (١). (٥: ٢٢/ ٢٣/ ٢٤).
١١٠٢ - قال أبو مِخْنف: حدّثني مالك بن أعين الجُهنيّ عن زيد بن وهْب: أنّ عليًّا لما رأى ميمنته قد عادت إلى مواقعِها ومصافّها وكشفت مَن بإزائها من عدوّها حتى ضاربوهم في مواقفِهم ومراكزهم؛ أقبل حتى انتهى إليهم فقال: إني قد رأيت جَولتكم وانحيازَكم عن صفوفكم، يحوزكم الطغاة الجافة وأعراب أهل الشام، وأنتم لَهامِيمُ العرب، والسَّنام الأعظم، وعُمّار الليل بتلاوة القرآن، وأهلُ دعوة الحق إذ ضلّ الخاطئون؛ فلولا إقبالكم بعد إدباركم، وكرُّكم بعد انحيازكم، وجب عليكم ما وجب على المولِّي يومَ الزّحف دبرَه، وكنتم من الهالكين؛ ولكنْ هوّن وَجدي، وشفَى بعضَ أُحاحِ نفسي: أني رأيتكم بأخَرة حُزتموهم كما حازوكم، وأزلتموهم عن مصافّهم كما أزالوكم، تحسُّونهم بالسيوف، تركب أولاهم أخراهم كالإبل المطرَّدة الهيم؛ فالآن فاصبروا، نزلت عليكم السكينة، وثبَّتكم الله عز وجل باليقين، ليعلم المنهزم: أنه مسخِط ربّه، وموبِق نفسَه؛ إن في الفرار موجِدةَ الله عزّ وجلّ عليه، والذلّ اللازم، والعارَ الباقي، واعتصار
(١) إسناده تالف، ومتنه يعجّ بالنكارات ومنها قول الأشتر ذلك البطل الأسطوري (في روايات أبي مخنف): (وإن هؤلاء القوم (ويقصد جيش معاوية) لا يقاتلونكم إلّا عن دينكم ليميتوا السنة ويحيوا البدعة ويعيدوكم في ضلالة قد أخرجكم الله عز وجل منها بحسن البصيرة) وهل معنى الضلالة التي أخرج الله منها العرب إلّا شرك الجاهلية؟ فهل المعركة كانت بين جيوش المسلمين والكفار والكل يعلم أن سبب القتال هو طلب معاوية رضي الله عنه ومن معه بدم عثمان وعاهدوا على عدم الكف حتى يأخذوا بدم الخليفة المظلوم فأين هذا الهدف مما تصف رواية الأشتر؟ ! ثم هل خلا جيش علي رضي الله عنه من خطأ من أمثال الإمام علي نفسه وابنه الحسن ومحمد بن الحنفية وعمار وأبو موسى الأشعري وغيرهم كثير من أجلاء الصحابة؟ !