للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه إلّا صَبَر له وقاتَلَ فيه قتالًا شديدًا، فقال لأصحابه:

لا يهولنّكم ما تروْنَ من صبرهم، فوالله ما تروْن فيهم إلّا حميَّة العرب وصَبْرًا تحت راياتها، وعند مراكزها، وإنهم لعلى الضّلال، وإنكم لعلى الحق، يا قوم اصبروا وصابِروا واجتمعوا، وامشوا بنا إلى عدوّنا على تؤدة رويدًا، ثم اثبتوا وتناصَروا، واذكروا الله، ولا يَسأل رجل أخاه، ولا تُكثروا الالتفات، واصمدوا صمدَهم، وجاهدوهم محتسبين، حتى يحكمَ الله بيننا وبينهم وهو خيرُ الحاكمين.

ثم إنه مضى في عصابة معه من القرّاء، فقاتل قتالًا شديدًا هو وأصحابهُ عند المساء حتى رأوْا بعض ما يُسرُّون به، قال: فإنهم لكذلك إذ خرج عليهم فتىً شاب وهو يقول:

أنا ابنُ أربابِ الملوكِ غَسّانْ ... والدَّائنُ اليومَ بدِين عثمانْ

إنّي أتاني خبرٌ فأشجانْ ... أنَّ عليًّا قَتَلَ ابنَ عفَّانْ

ثم يشدّ فلا ينثني حتى يضرب بسيفه، ثم يشتم ويلعن ويُكثر الكلام، فقال له هاشم بن عتبة: يا عبد الله! إن هذا الكلام، بعده الخِصام، وإن هذا القتال، بعده الحساب، فاتّق الله فإنك راجع إلى الله فسائلك عن هذا الموقف وما أردتَ به، قال: فإني أقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلِّي كما ذكر لي، وأنتم لا تصلّون أيضًا، وأقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا، وأنتم أردتموه على قتله، فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان! إنما قتله أصحابُ محمد، وأبناء أصحابه، وقرّاء الناس، حين أحدث الأحداث، وخالف حكم الكتاب؛ وهم أهل الدّين، وأوْلى بالنّظر في أمور الناس منك ومن أصحابك، وما أظنّ أمر هذه الأمة وأمرَ هذا الدين أهمِل طرفة عين. فقال له: أجَلْ، والله لا أكذب، فإن الكذب يضرّ ولا ينفع، قال: فإنّ أهل هذا الأمر أعلم به؛ فخلّه وأهل العلم به. قال: ما أظنك والله إلا نصحت لي؛ قال: وأمَّا قولك: إن صاحبنا لا يصلِّي، فهو أوّل من صلَّى مع رسول الله، وأفقَه خلق الله في دين الله، وأولى بالرسول، وأما كلّ مَنْ ترى معي فكلهم قارئ لكتاب الله لا ينام الليل تهجُّدًا، فلا يغوينَّك عن دينك هؤلاء الأشقياء المغرورون. فقال الفتى: يا عبدَ الله! إنّي أظنك امرأً صالحًا؛ فتخبرَني: هل تجد لي من توبة؟ فقال: نعم يا عبد الله! تُبْ إلى الله يتب عليك، فإنه يقبل

<<  <  ج: ص:  >  >>