الرسول وذهب لا يدري بما جاء به، ولا بما رجع به، ولا يسأله أهلُ الشأم عن شيء؛ وإذا جاء رسول عليّ؛ جاؤوا إلى ابن عبَّاس فسألوه: ما كتب به إليك أمير المؤمنين؟ فإن كتَمهم ظنوا به الظنون، فقالوا: ما نُراه كتب إلا بكذا وكذا. فقال ابن عباس: أما تعقلون! أما ترَوْن رسولَ معاوية يجيء لا يعلم بما جاء به، ويرجع لا يعلم ما رجع به، ولا يُسمع لهم صياح ولا لفظ، وأنتم عندي كل يوم تظنُّون الظنون!
قال: وشهد جماعَتهم تلك عبدُ الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرّحمن بن الحارث بنِ هشام المخزوميّ، وعبد الرحمن بن عبد يَغوث الزُّهريّ، وأبو جَهْم بن حُذيفة العدويّ، والمغيرة بن شُعبة الثَّقفِيّ، وخرج عمر بن سعد حتى أتى أباه على ماء لبني سُليم بالبادية، فقال: يا أبتِ! قد بلغك ما كان بين الناس بصِفّين، وقد حكم الناسُ أبا موسى الأشعريّ، وعمرَو بنَ العاص، وقد شهدهم نفر من قريش؛ فاشهدهم فإنك صاحبُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد الشورى، ولم تدخل في شيء كرهتْه هذه الأمة، فاحضُر فإنك أحقّ الناس بالخلافة. فقال: لا أفعل، إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إنه تكون فتنةٌ؛ خيرُ الناس فيها الخفيّ التقيّ"، واللهِ لا أشهد شيئًا من هذا الأمر أبدًا.
والتقى الحَكَمان، فقال عمرو بن العاص: يا أبا موسى! ألستَ تعلم: أنّ عثمان رضي الله عنه قتل مظلومًا؟ قال: أشهد، قال: ألستَ تعلم: أنّ معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قال: بلى؛ قال: فإن الله عزّ وجلّ قال: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، فما يمنعك من معاوية وليِّ عثمانَ يا أبا موسى، وبيتُه في قريش كما قد علمت؟ فإن تخوّفت أن يقول الناس: ولِيَ معاوية وليست له سابقة؛ فإن لك بذلك حُجَّة؛ تقول: إني وجدته وليّ عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه، الحسن السياسة، الحسن التدبير، وهو أخو أمّ حبيبة زوجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد صحبه، فهو أحد الصحابة، ثم عرّض له بالسلطان، فقال: إن وَلي أكرمك كرامةً لم يُكرِمها خليفة، فقال أبو موسى:
يا عمرو، اتّق الله عزّ وجل! فأما ما ذكرت من شرَف معاوية فإنّ هذا ليس على الشرف يولّاه أهلُه، ولو كان على الشرت لكان هذا الأسر لآلِ أبْرَهة بن الصّبّاح، إنما هو لأهل الدين والفضل، مع أني لو كنت معطيَه أفضلَ قريش شرفًا