ولم تأخذ على حُكم رِشْوة. قال: فبلغتُه ذلك، فتمعّرَ وجهه، ثم قال: متى كنت أقبل مشورة عليّ، أو أنتهي إلى أمره، أو أعتدّ برأيه؟ ! فقلت له: وما يمنعك يا بن النابغة أن تقبل من مولاك وسيّد المسلمين بعد نبيّهم مشورته؟ ! فقد كان من هو خير منك أبو بكر، وعمَر يستشيرانه، ويعمَلان برأيه. فقال: إنّ مِثلي لا يكلّم مثلك، فقلت له: وبأيّ أبويك ترغب عنّي؟ ! بأبيك الوَشِيظ أم بأمّك النابغة؟ ! قال: فقام عن مكانه، وقمت معه (١). (٥: ٦٩/ ٧٠).
١١٥٤ - قال أبو مِخْنف: حدّثني أبو جَناب الكلبي: أنّ عَمرًا، وأبا موسى حيث التقيا بدُومة الجندل، أخذ عَمرو يقدّم أبا موسى في الكلام، يقول: إنك صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت أسنّ مني، فتكلّم وأتكلّم. فكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدّمه في كلّ شيء، اغتزى بذلك كله أن يقدّمه فيبدأ بخلع عليّ، قال: فنظر في أمرهما وما اجتَمَعا عليه، فأراده عمرو على معاوية فأبى، وأراده على ابنه فأبى، وأراد أبا موسى عمرًا على عبد الله بن عمر فأبى عليه، فقال له عمرو: خبّرني ما رأيك؟ قال: رأي أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل الأمر شورى بين المسلمين، فيختار المسلمون لأنفسهم مَن أحبّوا. فقال له عمرو: فإنّ الرأي ما رأيتَ، فأقبَلا إلى الناس وهم مجتمعون، فقال: يا أبا موسى! أعلِمْهم بأنّ رأينا قد اجتمع واتّفق. فتكلم أبو موسى فقال: إنّ رأي ورأي عمرو قد اتّفق على أمر نرجو أن يُصلِح الله عزّ وجلّ به أمرَ هذه الأمة. فقال عمرو: صدق وبرّ، يا أبا موسى! تقدّم فتكلّم، فتقدّم أبو موسى ليتكلم، فقال له ابنُ عباس: وَيْحك! واللهِ إني لأظنه قد خدعك. إن كنتما قد اتفقتما على أمر، فقدّمه فليتكلمْ بذلك الأمر قبلك، ثم تكلّمْ أنتَ بعده، فإنّ عمرًا رجل غادر، ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرّضا فيما بينك وبينه، فإذا قمتَ في الناس خالفَك - وكان أبو موسى مغفّلًا - فقال له: إنّا قد اتفقنا. فتقدّم أبو موسى فحمِد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس، إنّا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نَرَ أصلح لأمرها، ولا ألمَّ لشَعَثها من أمر قد أجمع رأي ورأي عمرو عليه؛ وهو أن نخلع عليًّا ومعاوية، وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيوتوا منهم مَنْ أحبوا عليهم، وإني قد خلعت عليًّا ومعاوية، فاستقبلوا أمرَكم. وولّوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلًا؛ ثم تنحّى،