للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الرحمن بن سعيد البَكائيّ كان يرى رأيَ الخوارج، فأتى عليًّا ذات يوم وهو يخطب، فقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، فقال علي: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (١) (٥: ٧٢).

١١٥٨ - قال أبو مِخْنف عن عبد الملك بن أبي حُرّة: إنّ عليًّا لما بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة؛ لقيت الخوارج بعضُها بعضًا، فاجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الرّاسيّ، فحمِد الله عبدُ الله بن وهب، وأثنى عليه، ثم قال: أمَّا بعد: فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حُكم القرآن أن تكون هذه الدنيا - التي الرّضا بها والرّكون بها والإيثار إياها عناء وتَبار - آثرَ عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحقّ، وإنْ مُنَّ وضُرَّ فإنه مَن يُمنّ ويُضرّ في هذه الدنيا فإنّ ثوابه يوم القيامة رضوان الله عزّ وجلّ والخلود في جنّاته، فاخرجوا بنا إخوانَنا من هذه القرية الظالِم أهلُها إلى بعض كُوَر الجبال أو إلى بعض هذه المدائن، منكِرين لهذه البدع المضلّة. فقال له حُرْقوص بن زهير: إنّ المتاع بهذه الدنيا قليل، وإنّ الفراق لها وشيك، فلا تدعوَنّكم زينتها، وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكّم عن طلب الحقّ، وإنكار الظلم، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}. فقال حمزة بن سنان الأسَدِيّ: يا قوم، إنّ الرأي ما رأيتم، فولّوا أمرَكم رجلًا منكم، فإنه لابدّ لكم من عماد وسناد وراية تحفّون بها، وترجعون إليها، فعرضوها على زيد بن حصين الطائيّ فأبَى، وعرضوها على حُرقوص بن زهير فأبى، وعلى حمزة بن سنان وشُريح بن أوفَى العبسيّ فأبَيَا، وعرضوها على عبد الله بن وهب، فقال: هاتوها، أما والله لا آخذها رغبةً في الدنيا، ولا أدَعها فَرَقًا من الموت، فبايعوه لعشر خلْون من شوال - وكان يقال له ذو الثَّفِنات - ثم اجتمعوا في منزل شُريح بن أوفى العبسيّ، فقال ابن وهب: اشخَصُوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها لإنفاذ حكمِ الله، فإنكم أهل الحق. قال شريح: نخرج إلى المدائن فننزلها، ونأخذ بأبوابها، ونخرج منها سكّانها، ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا، فقال زيد بن حصين: إنكم إن خرجتم مجتمعين اتُّبِعْتُم، ولكن اخرجوا وُحْدانًا مستَخْفِين،


(١) إسناده تالف، وقد أخرج ابن أبي شيبة نحوه بسند ضعيف (١٥/ ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>