فأمّا المدائن فإنّ بها مَنْ يمنعكم، ولكن سِيروا حتى تنزلوا جسرَ النّهروان، وتكاتِبوا إخوانكم من أهل البصرة. قالوا: هذا الرّأي.
وكتب عبد الله بن وهب إلى مَن بالبصرة منهم يعلمهم ما اجتمعوا عليه، ويحثّهم على اللحاق بهم، وستر الكتاب إليهم، فأجابوه: أنهم على اللحاق به، فلما عزموا على المسيرِ تعبّدوا ليلتَهم - وكانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة - وساروا يومَ السبت، فخرج شُريح بن أوَفى العبسيّ، وهو يتلو قول الله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
وخرج معهم طرَفة بن عديّ بن حاتم الطائيّ، فاتّبعه أبوه فلم يقدر عليه، فانتهَى إلى المدائن ثم رجع، فلما بلغ ساباطَ لقيَه عبد الله بن وهب الراسبي في نحو عشرين فارسًا، فأراد عبد الله قتله، فمنعه عمرو بن مالك النّبْهانيّ وبشر بن زيد البَوْلانيّ، وأرسل عديّ إلى سعد بن مسعود عامل عليّ على المدائن يحذّره أمرَهم، فحذِر، وأخذ أبوابَ المدائن، وخرج في الخيل واستخلف بها ابن أخيه المختار بن أبي عبيد، وسار في طلبهم، فأخبر عبد الله بن وهب خبرَه فرابأ طريقه، وسار على بغداد، ولحقهم سعد بن مسعود بالكَرْخ في خمسمئةِ فارس عند المساء، فانصرف إليهم عبدُ الله في ثلاثين فارسًا، فاقتتلوا ساعة، وامتنع القومُ منهم؛ وقال أصحاب سعد لسعد: ما تريد من قتال هؤلاء ولم يأتك فيهم أمر! خلّهم فليذهبوا، واكتب إلى أمير المؤمنين، فإنْ أمَرَك باتّباعهم اتَّبعتَهم، وإن كَفاكَهُم غيرُك كان في ذلك عافية لك. فأبى عليهم، فلما جَنّ عليهم الليلُ؛ خرج عبد الله بن وهب، فعَبَر دجلة إلى أرض جُوخَى، وسار إلى النهروان، فوصل إلى أصحابه وقد أيِسُوا منه، وقالوا: إن كان هلك؛ ولَّيْنا الأمرَ زَيدَ بن حصين، أو حُرقوص بن زهير، وسار جماعة من أهل الكوفة يريدون الخوارج ليكونوا معهم، فردّهم أهلوهم كَرْهًا، منهم: القعقاع بن قيس الطائيّ عمّ الطِّرِمّاح بن حكيم، وعبد الله بن حكيم بن عبد الرحمن البكّائيُّ، وبلغ عليًّا: أن سالم بن ربيعة العبسيّ يريد الخروج، فأحضره عنده، ونهاه فانتهى.
ولما خرجت الخوارج من الكوفة؛ أتى عليًّا أصحابُه وشيعتُه فبايعوه وقالوا: نحن أولياء مَن واليتَ، وأعداءُ مَن عادَيْت، فشرط لهم فيه سنّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -،