فجاءه ربيعة بن أبي شدّاد الخثعمي - وكان شهد معه الجمل وصِفَين، ومعه راية خَثْعَم - فقال له: بايع على كتاب الله وسنّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال ربيعة: على سُنَّة أبي بكر وعمر؛ قال له عليّ: ويلك! لو أن أبا بكر وعمرَ عَمِلا بغير كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونا على شيء من الحقِّ، فبايعه، فنظر إليه على وقال: أما والله لكأني بك وقد نفرتَ مع هذه الخوارج فقُتلت، وكأني بك وقد وطئتْك الخيل بحوافرها، فقُتِل يوم النَّهر مع خَوارج البصرة.
وأما خوارج البصرة؛ فإنهم اجتمعوا في خمسمئة رجل، وجعلوا عليهم مسعر بن فَدَكيّ التميميّ، فعلم بهم ابن عبالص، فأتبعهم أبا الأسود الدُّؤليَّ، فلحقهم بالجسر الأكبر، فتواقفوا حتى حجز بينهم الليل، وأدلجَ مسعر بأصحابه، وأقبل يعترِض الناس وعلى مقذَمته الأشرسُ بنُ عوف الشيبانيّ، وسار حتى لحق بعبد الله بن وهب بالنّهر، فلما خرجت الخوارجُ، وهَرَب أبو موسى إلى مكة، وردَّ عليٌّ ابن عباس إلى البصرة؛ قام في الكوفة فخطبهم فقال: الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادح، والحَدَثان الجليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله؛ أما بعد: فإن المعصية تورِث الحسرة، وتُعقِب الندم، وقد كنت أمرتُكم في هذين الرَّجلين وفي هذه الحكومة أمري، ونَحَلْتكم رأي، لو كان لقصيرٍ أمر! ولكن أبيتم إلا ما أردتم، فكنتُ أنا وأنتم كما قال أخو هوازن:
أَمَرْتُهُمُ أَمري بمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... فلم يَسْتَبينوا الرُّشْدَ إلا ضُحَى الغَدِ
ألا إنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حَكَمين قد نَبذَا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييَا ما أماتَ القرآن، واتّبع كل واحد منهما هَواه بغير هدىً من الله، فحَكَما بغير حجّة بيتة، ولا سُنّة ماضية، واختَلَفا في حكمهما، وكلاهما لم يرشد، فبرئ اللهُ منهما ورسولُه وصالحُ المؤمنين.
استعِدّوا وتأهّبوا للمسير إلى الشأم، وأصبِحوا في لمعسكركم إن شاء الله يوم الإثنين، ثم نزل.
وكتب إلى الخوارج بالنهر: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله على أمير المؤمنين، إلى زيد بن حصين وعبد الله بن وهب ومن معهما من الناس. أمّا بعد، فإن هذين الرجلين اللذَين ارتضيْنا حكمَهما قد خالفا كتابَ الله، واتّبعا