يذكر تعالى ما كان من أمر سليمان والهدهد، وذلك أن الطيور كان على كل صنف منها مقدمون يقدمون بما يطلب منهم، ويحضرون عنده بالنوبة، كما هي عادة الجنود مع الملوك، فلما تطلبه سليمان - عليه السلام - ذات يوم فقده ولم يجده في موضعه من محل خدمته {فَقَال مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} أي: ما له مفقود من ها هنا، أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} توعده بنوع من العذاب اختلف المفسرون فيه، والمقصود حاصل على تقدير {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي: بحجة تنجيه من هذه الورطة. قال الله تعالى: {فَمَكَثَ غَيرَ بَعِيدٍ} أي: فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة ثم قدم منها {فَقَال} لسليمان: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أي: اطلعت على ما لم تطلع عليه {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} أي: بخبر صادق {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة والتبابعة المتوجين، وكان الملك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم لم يخلف غيرها فملكوها عليهم. وقال الثعلبي: أخبرني أبو عبد الله بن قبحونة، حدثنا أبو بكر بن حرجة، حدثنا ابن أبي الليث، حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أبي بكرة، قال: ذكرت بلقيس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" إسماعيل بن مسلم هذا هو المكي الضعيف. وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث عوف، عن الحسن، عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه أن أهل فارس ملكوا عليهم ابنة كسرى قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". =