للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فكتب معاوية عند ذلك إلى مسلمة بن مخلّد الأنصاريّ، وإلى معاوية بن حُدَيج الكِنديّ - وكانا قد خالفا عليًّا:

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد: فإنّ الله قد ابتَعَثكما لأمر عظيم أعظمَ به أجرَكما، ورفَع به ذِكرَكما، وزيّنكُما به في المسلمين، طَلبكما بدمِ الخليفة المظلوم، وغضبكما لله إذ تُرِك حكم الكتاب، وجاهدتما أهلَ البغي والعُدوان، فأبشروا برضوان الله، وعاجِل نصرِ أولياء الله، والمواساة لكما فَي الدنيا، وسلطاننا، حتى يُنْتَهَى في ذلك ما يرضيكما، ونؤدّي به حقَّكما إلى ما يصير أمرُكما إليه، فاصبروا وصابروا عدوَّكما، وادعوا المدبِر إلى هُداكما وحفظِكما، فإنّ الجيش قد أضِلّ عليكما، فانقشع كلّ ما تكرهان، وكان كلّ ما تَهوَيان، والسلام عليكما.

وكَتب هذا الكتابَ وبَعث به مع مولىً له يقال له: سُبَيع.

فخرج الرسول بكتابه حتى قدم عليهما مصر؛ ومحمد بن أبي بكر أميرها، وقد ناصَب هؤلاء الحربَ بها، وهو غير متخوّن بها يوم الإقدام عليه. فدفع كتابَه إلى مسلمة بن مخلّد، وكتابَ معاوية بن حُدَيج، فقال مسلمة: امضِ بكتاب معاوية إليه حتى يقرأه، ثم القني به حتى أجيبه عني وعنه، فانطلق الرسول بكتاب معاويةَ بن حُدَيج إليه، فأقرأه إيّاه، فلما قرأه قال: إنّ مسلمة بن مخلّد قد أمرني أن أردّ إليه الكتاب إذا قرأتَه لكي يجيبَ معاوية عنك وعنه. قال: قل له فليفعل؛ ودفع إليه الكتاب، فأتاه، ثم كتب مسلمة عن نفسه، وعن معاوية بن حُدَيج: أما بعد، فإنّ هذا الأمر الذي بذلنا له نفسَنا، واتّبعْنا أمرَ الله فيه، أمرٌ نرجو به ثوابَ ربّنا، والنصرَ ممن خالفنا، وتعجيلَ النِّقمة من سَعَى على إمامنا، وطأطأ الرّكض في جهادنا، ونحن بهذا الحيّز من الأرض قد نَفَينا مَن كان به من أهل البغي، وأنهَضْنا من كان به من أهل القِسْط والعدل، وقد ذكرتَ المواساة في سلطانِك ودنياك، وبالله إنّ ذلك لأمرٌ مالَه نهضْنا، ولا إيّاه أردْنا، فإنْ يجمع الله لنا ما نطلب، ويؤتنا ما تمَنَّينا، فإنّ الدنيا والآخرةَ لله ربِّ العالمين، وقد يؤتيهما الله معًا عالمًا من خلقه، كما قال في كتابه، ولا خلفَ لموعده، قال: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>