للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُقَيم عن جُندَب، عن عبد الله بن فقيم، عمّ الحارث بن كعب ... يستصرخ من قبَل محمد بن أبي بكر إلى عليّ - ومحمّد يومئذ أميرُهم - فقام عليّ في الناس وقد أمر فنُوديَ الصّلاةَ جامعة! فاجتمع الناس، فحمد الله وأثْنَى عليه، وصلى على محمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: أمّا بعد، فإن هذا صريخُ محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر، قد سار إليهم ابن النّابغة عدوّ الله، ووليّ من عادَى الله، فلا يكوننّ أهل الضّلال إلى باطلهم والرّكون إلى سبيل الطاغوت أشدَّ اجتماعًا منكم على حقّكم هذا، فإنهم قد بدؤوكم وإخوانكم بالغَزْو، فاعجلوا إليهم بالمؤاساة والنصر. عباد الله! إنّ مصرَ أعظم من الشأم، أكثر خيرًا، وخيرٌ أهلًا، فلا تغلَبوا على مصر، فإنّ بقاءَ مصر في أيديكم عزٌّ لكم، وكَبْتٌ لعدوّكم، اخرجوا إلى الجَرَعة بين الحيرة والكُوفة، فوافُوني بها هناك غدًا إن شاء الله. قال: فلمّا كان من الغد؛ خرج يمشي، فنزلها بُكرةً، فأقام بها حتى انتصف النهار يومه ذلك، فلم يوافه منهم رجل واحد؛ فرجع. فلما كان من العشيَ؛ بعث إلى أشراف الناس، فدخلوا عليه القصر وهو حزين كئيب، فقال: الحمد لله على ما قضَى من أمري، وقدّر من فعلي، وابتلاني بكم أيَّتُها الفرقة ممن لا يطيع إذا أمرتُ، ولا يُجيب إذا دَعوتُ، لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بصبركم، والجهاد على حقكم؟ !

الموت والذلّ لكم في هذه الدنيا على غير الحقّ، فوالله لئن جاء الموت - وليأتين - ليفرّقنّ بيني وبينكم، وأنا لِصُحْبَتِكُمْ قالٍ؛ وبكم غيرُ ضنين، لله أنتم! لا دينَ يجمعكم، ولا حميّة تحميكم؛ إذا أنتم سيعتم بعدوّكم يَرِدُ بلادَكم، ويشنّ الغارة عليكم، أوَليس عجبًا: أنّ معاوية يدعو الجفاةَ الطَّغام فيتبعونه على غير عطاء، ولا معونة! ويجيبونه في السنة المرّتين والثلاث إلى أيّ وجه شاء، وأنا أدعوكم - وأنتم أولو النّهَى وبقيّة الناس - على المعونة، وطائفةً منكم على العطاء، فتقومون عنّي، وتعصوْنني، وتختلفون عليّ؟ ! فقام إليه مالكُ بن كعب الهمْدانيّ ثم الأرحبيّ، فقال: يا أميرَ المؤمنين! اندب الناسَ فإنه لا عطرَ بعد عروس! لمِثلِ هذا اليوم كنتُ أدّخر نفسي، والأجر لا يأتي إلا بالكرة، اتقوا الله وأجيبوا إمامَكم، وانصروا دعوتَه، وقاتلوا عدوَّه، ألْا أسير إليها يا أميرَ المؤمنين! قال: فأمر عليّ مناديَه سعدًا، فنادى في الناس: ألا انتدبوا إلى مصر مع مالك بن كعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>