للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راشد، وبما قلتُ له، وبما ردّ علي، وبما كان من مقالتي لابن عمّه، وبما ردّ عليّ، فقال: دَعْه، فإن عَرَف الحقّ وأقبلَ إليه؛ عرفْنا ذلك، وقَبِلْنا منه، وإن أبى؛ طلبناه، فقلت: يا أمير المؤمنين! ولمَ لا تأخذه الآن وتستوثقُ منه وتحبسه؟ فقال: إنا لو فعلنا هذا بكلّ مَنْ نتّهمه من الناس ملأنا سجننَا منهم، ولا أراه - يعني الوثوبَ على الناس والحبس والعقوبة - حتى يُظهروا لنا الخلاف، قال: فسكتّ عنه، وتنحّيت، فجلست مع القوم.

ثم مكث ما شاء الله، ثم إنه قال: ادنُ مني؛ فدنوتُ منه، فقال لي مسرًّا: اذهب إلى منزل الرجل فاعلَم لي ما فعل، فإنه كل يوم لم يكن يأتيني فيه إلا قبل هذه الساعة، فأتيتُ منزلَه، فإذا ليس في منزله منهم ديّار، فدعوتُ على أبواب دور أخرى كان فيها طائفة من أصحابه، فإذا ليس فيها داعٍ ولا مجيب، فرجعت. فقال لي حين رآني: وطنوا فأمِنوا، أم جنبوا فظَعَنوا! فقلمت: بل ظعنوا فأعلنوا، فقال: قد فعلوها! بُعدًا لهم كما بَعِدتْ ثمود! أما لو قد أشرِعَتْ لهم الأسنّة، وصبّبَتْ على هامهم السيوف، لقد ندموا. إنّ الشيطان اليومَ قد استهواهم وأضلّهم، وهو غدًا متبرّئ منهم، ومخلٍّ عنهم.

فقام إليه زياد بن خَصَفة، فقال: يا أمير المؤمنين! إنه لو لم يكن من مضرّة هؤلاء إلا فراقهم إيّانا لم يعظم فقدُهم فنَأسَى عليهم، فإنّهم قلّما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا، وقلّما ينقصون من عددنا بخروجهم عنّا، ولكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعةً كثيرة ممن يقدمون عليه من أهل طاعتك، فائْذَنْ لي في اتّباعهم حتى أردّهم عليك إن شاء الله. فقال له عليّ: وهل تدري أين توجّه القوم؟ فقال: لا، ولكني أخرج فأسأل وأتبع الأثر. فقال له: اخرُج رحمك الله حتى تنزل ديرَ أبي موسى، ثم لا تتوجّه حتى ياتيَك أمري، فإنهم إن كانوا خرجوا ظاهرين للناس في جماعة. فإنّ عمّالي ستكتب إليّ بذلك، وإن كانوا متفرّقين مستخفين فذلك أخفى لهم، وسأكتب إلى عمّالي فيهم. فكتب نسخةً واحدةً فأخرجها إلى العمّال:

أما بعد، فإنّ رجالًا خرجوا هُرّابًا ونظنّهم وجّهوا نحوَ بلاد البَصرة، فسلْ عنهم أهلَ بلادِك، واجعل عليهم العيون في كلّ ناحية من أرضك، واكتب إليّ بما ينتهى إليك عنهم، والسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>